وما هو وجه الهجر في كلام ما زال في صدر صاحبه؟!!
وإذا كانت كلمات النبي وهو مريض هجرا، فلماذا أصبحت كلمات أبي بكر في مرضه شرعا وقاعدة دستورية، فهو الذي سن ولاية العهد، وهو الذي عهد لعمر بالخلافة بكلمات صدرت منه أثناء مرضه؟
ولماذا أصبحت كلمات عمر شرعا، حيث أوصى للستة وهو مريض مرض الموت!
ومن فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وجدت واستقرت مؤسسة ولاية العهد، وأصبحت هي السنة المتبعة طوال التاريخ السياسي الإسلامي؟!!!
ثم كيف نوحد بين القول بأن النبي هجر يهجر - حاشا له - وبين التمسك بالقرآن الكريم؟ لقد مرض النبي مرات عديدة، فكيف نميز بين ما قاله بهجره وصحوه - حاشا له -؟!
ثم إذا كان دور النبي ثانويا إلى هذا الحد، فلماذا لم توزع العناية الإلهية نسخا من هذا القرآن على المكلفين؟ وما الداعي لابتعاث النبي أو كل الأنبياء، إذا فنسخ الكتب السماوية تغني إن صدقت المقولة (حسبنا كتاب الله)؟
ثم من الذي يفهم المقصود من كتاب الله غير النبي؟ وما هي أبرز مهمات النبي غير بيان ما أنزل للناس من ربهم؟
ثم ماذا يعني الإيمان بالقرآن وحده، وعدم الإصغاء لما يقوله النبي الذي نزل هذا القرآن على قلبه وبلغه إلى الناس؟!!
يمكنك القول إن الشرعية قد تهدمت فعلا في حجرة النبي، ولم تجد محاولات الترميم طوال التاريخ، ونتيجة محاولات الترميم نشأت الشرعية الرسمية، وهي التي حاولت تطويع الدين لخدمة الواقع وإضفاء الشرعية الحقيقية عليه، وقد حكمت وفرضت فهمها على العامة، وتصور العامة أن هذه الشرعية الرسمية هي عينها الشرعية الحقيقية الإلهية، وتحول هذا التصور إلى قناعة راسخة في الأذهان.
وقد فصلت هذه الرزية في كتابي نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام صفحة 180 وما فوق.