إن دل على شئ، فإنما يدل قبل كل شئ على أن الفتوى المشهورة بين خيارهم صحابتهم (الذين استأمنهم الأئمة على غامض أسرارهم وأخذهم خزنة لعلومهم) كانت حجة بلا كلام أولا ومقدمة على النص الذي ألقوه على السائل ثانيا وما هذا إلا لتعرفهم على الحكم الواقعي الأولى وتميزه عن الحكم الثانوي وإن شئت قلت: كانوا يعرفون جهات الصدور والحكم الجدي الصادر لبيان الواقع عن الحكم الصادر لغيره.
وعندئذ يمكن تسرية الحكم من خيار صحابتهم إلى الطبقة التي تليهم من مقاربي عصرهم وعهدهم ولأجل أن يقف القارئ على متون هذه النصوص نأتي ببعضها:
روى سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن رجلا مات وأوصى إلي بتركته وترك ابنته قال: فقال لي: أعطها النصف قال: فأخبرت زرارة بذلك فقال لي اتقاك إنما المال لها، قال: فدخلت بعد، فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا إنك اتقيتني فقال: لا والله ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت:
لا قال: فاعطها ما بقي (1).
ويظهر من روايته الأخرى أنه لم يلق زرارة وحده بل لقي عدة من أصحاب الإمام القاطنين في الكوفة حيث يقول: فرجعت فقال أصحابنا: لا والله... (2).
ترى أن الشهرة الفتوائية بلغت من حيث القدر والمنزلة عند الراوي إلى درجة منعته عن العمل بنفس الكلام الذي سمعه من الإمام فتوقف حتى رجع إلى الإمام ثانيا.
بل كانوا لا يتوقفون ويقدمون الفتوى المشهورة على المسموع من نفس الإمام شخصيا روى عبد الله بن محرز بياع القلانص قال: أوصى إلى رجل وترك خمس مائة درهم أو ست مائة وترك ابنته وقال لي عصبة بالشام فسألت أبا عبد الله عن ذلك فقال: اعط الابنة النصف والعصبة النصف الآخر، فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا: اتقاك فأعطيت ابنته، النصف الآخر ثم حججت فلقيت أبا عبد الله فأخبرته بما قال