ولكن بالنظر إلى ما ذكرنا من سعة آفاق دلالته يتبين أن عددها ربما يتجاوز عن الخمسمائة، إذ رب آية لا تمت إلى الأحكام بصلة، ولكن بالدقة والإمعان يمكن أن يستنبط منها حكم شرعي.
فمثلا سورة المسد، أعني قوله سبحانه: * (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب...) * (1)، بظاهرها ليست من آيات الأحكام، ولكن للفقيه أن يستند إليها في استنباط بعض الأحكام الشرعية، وقد حكي عن بعض الفقهاء أنه استنبط من سورة " المسد " قرابة عشرين حكما فقهيا، كما استنبطوا من قوله سبحانه: * (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك...) * (2) أحكاما شرعية.
وهذا بالنسبة إلى ما ذكرناه من سعة آفاق دلالة القرآن ليس بغريب.
ج. التدرج في التشريع نزل القرآن تدريجيا قرابة ثلاث وعشرين سنة لأسباب ودواع مختلفة اقتضت ذلك، وأشار إليها الذكر الحكيم في غير واحد من الآيات:
قال سبحانه: * (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) * (3) أي فرقنا نزوله كي تقرأه على الناس على مهل وتريث.
كما أشار في آية أخرى إلى داع آخر، قال سبحانه: * (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) * (4) فتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد الأسباب التي دعت إلى نزول القرآن بين الحين والآخر وفي