القرآن هو المنطلق لتنمية الفكر الإنساني ما مر من الآيات يعرب عن أن القرآن هو المنطلق الأول لتنمية الفكر الإنساني، وحث الإنسان إلى التعقل والتفكير، فمن أراد أن يخلص لله في العبودية بلا تحليق العقل في سماء المعرفة فقد تغافل عن هذه الآيات ونظائرها التي تأخذ بيد العقل من حضيضه وتقوده إلى أوج المعرفة، قال سبحانه: * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) * (1). فلو فسرنا (الشئ) في الآية بالسبب والعلة فالجزء الأول من الآية يشير إلى برهان الإمكان الذي يقوم على لزوم سبب موجب لخروج الشئ من العدم إلى الوجود، والجزء الثاني منها يشير إلى بطلان كونهم خالقي أنفسهم، الذي يستقل العقل ببطلانه قبل أن يستقل ببطلان الدور اللازم عليه.
ومن سبر هذه الآيات وتدبر فيها يقف على عظمة قوله سبحانه: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * (2).
أئمة أهل البيت رواد الفكر إن أئمة أهل البيت عليهم السلام - تبعا للذكر الحكيم - فتحوا أمام الأمة باب التفكير الصحيح في المعارف الإلهية والمسائل العقلية، وأول من ولج ذلك النهج هو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام رائد الفكر، فإنه صلوات الله عليه يذكر في خطبه ورسائله وكلماته القصار كثيرا مما يرجع إلى أسمائه وصفاته، والعوالم الغيبية مقرونا بالبرهان والدليل، وكفاك في هذا الباب ما ذكره في كيفية وصفه سبحانه التي شغلت بال التابعين والمتكلمين على مر العصور، يقول سلام الله عليه: