والعجب أن دعاة القومية في البلاد الإسلامية لم يكونوا مسلمين، بل تربوا في أحضان الاستعمار (1) وأخذوا بإثارة النعرات الطائفية. وفي ظل هذه الدعوة البغيضة انفصمت عرى الخلافة الإسلامية وتمزقت أوصالها، وعادت بشكل دويلات صغيرة، وأضحت لقمة سائغة للاستعمار قابعة تحت نيره.
موقف الإسلام حيال القومية إن الإسلام يحترم كافة القوميات دون أن يرجح قومية على أخرى، بل ينظر إلى الجميع بعين الأخوة، ويقول: * (إنما المؤمنون إخوة) * ويقول أيضا:
* (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) *.
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شئ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. (2) فهذه هي الوصفة التي كتبها الإسلام لإسعاد البشرية كافة، ومع ذلك لم يلغ القومية وإيجابياتها بل أحترمها.
روى المفسرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر عن مكة المكرمة ووصل في طريقه إلى " جحفة " تذكر موطنه وحن إليه فامتلأت عيناه بالدمع، فنزل عليه أمين الوحي يسليه بالآية المباركة: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) * (3).
وقد حقق سبحانه وعده، ففتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة بعد ثمانية أعوام ودخلها من ناحية " أذاخر " وهي أعلى نقطة في مكة، ولما وقع نظره على الكعبة وبيوتات مكة هاج به الحزن، وقال مخاطبا ربوعها باني أحبك ولولا أني هجرت لما تركتك.