الآن حصحص الحق إن القارئ الكريم إذا أمعن فيما أوردناه في هذه الفصول الستة يقف على ضالتنا المنشودة وهي:
1 - إن الشيعة عن بكرة أبيهم كانوا مستقلين في التفكير، وقد اقتفوا في الأصول والفروع أئمة أهل البيت، ولم يكونوا في عصر من الأعصار تبعا للمعتزلة، وأنهم لو اتفقوا معهم في أصول، اختلفوا في أخرى، ولو كان الاتفاق فيها دليلا على التبعية فلماذا لا يكون دليلا على العكس؟ والحق أن الطائفتين يصدران عن معين عذب وهي خطب الإمام أمير المؤمنين في التوحيد والعدل، والرجوع إلى العقل في مجال العقائد، وأن من زعم أن الشيعة كانت تبعا للمعتزلة فقد ظن ظنا خاطئا بلا تحقيق ولا إمعان.
هذا وإن شيخ الأمة المفيد عقد بابا خاصا في كتابه أوائل المقالات بين فيه الفوارق الفكرية بين الشيعة والمعتزلة. (1) 2 - إن الشيعة كانت تتمتع في القرون السبعة بمنهج كلامي تام متشعب الفنون، وقد نضج المنهج في ظل الأصول السمعية والدراسات العقلية، وها هم علماؤهم، ومتكلموهم فيها، وهذه كتبهم ورسائلهم، وهذه أصولهم وعقائدهم، وهذه مناظراتهم مع المخالفين.
ومهما يكن من أمر فإن الشيعة قد خلفت تراثا كلاميا ضخما إلا أن ثمة من يلمح إلى معنى فيه ظلم كثير للكلام الشيعي فها هو آدم متز يقول: لم يكن للشيعة في القرن الرابع منهج كلامي مع أن ابن النديم يصف المفيد بأنه: " في عصرنا انتهت رئاسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، بادئ الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا " (2)؟!