2 - اختلف الفقهاء في وجوب الكتابة في التداين بدين والاستشهاد بشاهدين الواردين في قوله سبحانه: * (وليكتب بينكم كاتب بالعدل... واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *. (1) فمن قائل بالوجوب أخذا بأصالة الحقيقة، وقائل باستحبابه مستدلا بالإجماع، ومعتذرا عن الأصل المذكور بكثرة استعمال صيغة الأمر في الندب، مع أن الرجوع إلى نفس الآية وما ورد حولها من الحكمة يعطي بوضوح أن الأمرين لا للوجوب ولا للندب، بل الأمران إرشاديان لئلا يقع الاختلاف بين المتداينين فيسد باب النزاع والجدال. قال سبحانه: * (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) *. (2) ويدل على سعة دلالته أيضا ما رواه المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال ". (3) وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه أن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم ". (4) وقال الصادق عليه السلام: " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه ". (5) والسابر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام يقف على أنهم كانوا يستنبطون من الآيات نكاتا بديعة ومعاني رفيعة عن مستوى الأفهام.
وربما يتصور الساذج أن هذا النوع من التفسير تفسير بالرأي وفرض على الآية، ولكن بعد الإمعان في الرواية والوقوف على كيفية استدلالهم عليهم السلام