وقد أتانا الله بأفضل مما أتيت له. (1) ومع ذلك كله فالتدرج هو المخيم على التشريع، خاصة فيما إذا كان الحكم الشرعي مخالفا للحالة السائدة في المجتمع، كما في شرب الخمر الذي ولع به المجتمع الجاهلي آنذاك، فمعالجة هذه الرذيلة المتجذرة في المجتمع رهن طي خطوات تهيئ الأرضية اللازمة لقبولها في المجتمع.
وقد سلك القرآن في سبيل قلع جذور تلك الرذائل مسلك التدرج.
فتارة جعل السكر مقابلا للرزق الحسن، وقال: * (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) *. (2) فاعتبر اتخاذ الخمر من التمور والأعناب - في مجتمع كان تعاطي الخمر فيه جزءا أساسيا من حياته - مخالفا للرزق الحسن، وبذلك أيقظ العقول.
وهذه الآية مهدت وهيأت العقول والطبائع المنحرفة لخطوة أخرى في سيرها نحو تحريم الخمر، فتلتها الآية الثانية معلنة بأن في الخمر والميسر إثما ونفعا، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، قال سبحانه: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) *. (3) إن هذا البيان وإن كان كافيا إلا أن جماهير الناس لا يقلعون عن عادتهم المتجذرة ما لم يرد نهي صريح حتى وافتهم الآية الثالثة، قال سبحانه: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * (4) فالآية الكريمة جاءت بالنهي الصريح عن شرب الخمر في وقت محدد، أي عند إرادة الصلاة بغية الوقوف على ما يتلون من القرآن والأذكار.