لكن الإسلام أخذ ينظر إلى واقع الإنسان بما هو كائن ذو بعدين، فبالبعد المادي لا يستغني عن المادة، وبالبعد الروحي لا يستغني عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، فدعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يؤثرها على حياته الروحية، كما دعا إلى الحياة الروحية بشكل لا يصادم فطرته وطبيعته، وهكذا فقد قرن بين عبادة الله وطلب الرزق وترفيه النفس، فندب إلى القيام بالليل وإقامة النوافل، وفي الوقت نفسه ندب إلى طلب المعاش وتوخي اللذة، قال سبحانه:
* (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * (1) وقال أيضا: * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) *. (2) وقال علي أمير المؤمنين عليه السلام: " للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم معاشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها ". (3) 4 - النظر إلى المعاني لا الظواهر إن التشريع القرآني ينظر إلى الحقائق لا إلى القشور، فلا تجد في الإسلام مظهرا خاصا من مظاهر الحياة يكون له من القداسة ما يمنع من تغييره ويوجب حفظه إلى الأبد بشكله الخاص، فليس هناك تناقض بين تعاليمه والتقدم العلمي.
فلو كان التشريع الإسلامي مصرا على صورة خاصة من متطلبات الحياة لما انسجم مع الحياة، فمثلا ينهى الإسلام عن أكل الأموال بالباطل، وعلى هذا فرع الفقهاء حرمة بيع الدم لعدم وجود منفعة محللة له في تلك الأعصار الغابرة بيد أن