العقائد والأحكام بين المسلمين، خصوصا غير المتدرعين منهم بسلاح العلم والبرهان، فاشتد حمى الجدال بين المسلمين ورواد الأفكار الدخيلة.
كما أنه كان لوجود الأسرى أثر فعال في طلي الشبه وسوقها في بوتقة البرهان ردا على العقائد الإسلامية، نظراء ابن أبي العوجاء وحماد بن عجرد، ويحيى بن زياد، ومطيع بن أياس، وعبد الله بن المقفع، الذين كان لهم نشاط ملموس في زعزعة عقائد العامة.
وكان لظاهرة الترجمة، وانتشار الشبه بين المسلمين، تأثير مهم في شحذ همم المفكرين من المسلمين بغية الوقوف أمامها، وبذلك نشأ علم الكلام ودونت رسائل في الذب عن العقيدة والتدرع بنفس السلاح الذي تدرع به المخالف، فلم يمض القرن الأول إلا وتجد حلقات شكلت لهذا العلم طرحت فيها المسائل الكلامية على طاولة البحث لتفنيد حجج المخالفين وإبطالها.
نعم قام بعض السذج من أهل الحديث بتحريم علم الكلام، والوقوف أمامه، ودعوا إلى نبذه، بزعم أنهم بذلك يقدمون أفضل خدمة للإسلام وعقيدته، غافلين عن أن سلب هذا السلاح من يد المفكرين من المسلمين يوجب استيلاء الإلحاد على الربوع الإسلامية.
كل هذا وذاك دعا المفكرين إلى تأسيس علم الكلام، وقد استلهموا في ذلك من الكتاب العزيز، وخطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومدرسة الأئمة من بعده التي تركت بصمات واضحة على زعزعة الحركة الإلحادية، وجعل الشبه والردود في مدحرة البطلان، ولذلك كان تدوين علم الكلام حاجة ملحة لا ترفيهية، وقد أخذ علم الكلام على عاتقه الذب عن حياض العقيدة الإسلامية، باستعراض البراهين العقلية تارة، وبإعمال أساليب الجدل والمناظرة تارة أخرى، وقد بلغ هذا العلم ذروته وظهرت مناهج كلامية مختلفة تنتهي جذورها إلى ما ورثوه من الكتاب، وخطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.