بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) * (1).
والمراد من الشكر في ذيل الآية هو صرف النعمة في مواضعها، فشكر السمع والبصر هو إدراك المسموعات والمبصرات بهما، وشكر الفؤاد هو إدراك المعقولات وغير المشهودات به، فالآية كما تحرض على إعمال السمع والبصر في درك ظواهر الكون، تحرض أيضا على استعمال الفؤاد والقلب والعقل فيما هو خارج عن إطار الحس وغير واقع تحت متناول أدواته، فمن أراد قصر التعليم والتفكير على ظواهر الكون وحرمان الإنسان عن التفكر خارج نطاق الحس فقد خالف القرآن الكريم.
كما وأن من اقتصر على المعرفة الحسية هو أشبه بالطفل الذي لا يتمكن من التحليق في سماء المعرفة، بل يقتصر بما حوله من الأشباه والصور، كما أن من اقتصر على المعرفة العقلية فقد أفرط، وربما حرم من بعض المعارف التي يكون الحس وسيلة إليها فالإنسان يستخدم الحس والعقل ويحلق بكلا جناحيه في سماء العلم والعرفان، فالقرآن الكريم يعطي للحس منزلة ومكانة، كما ينمي القابليات الفكرية في الإنسان عن طريق طرح قضايا حسية ملموسة وعقلية.
قال سبحانه: * (نحن خلقناكم فلولا تصدقون * أفرأيتم ما تمنون * ء أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون *... أفرأيتم ما تحرثون * ء أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * ء أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون * أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم