أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) * (1).
أنظر إلى هذا البيان الرفيع والكلام الرصين كيف يطرح أسلوب التفكير الصحيح؟ وفي نفس الدعوة إلى ظواهر الكون والنظام السائد فيه، دعوة أخرى للارتقاء إلى معرفة عقلية بحتة، وهو أن للنظام صلة بخالق عالم قادر في وضع الكون على أحسن نظام.
يذكر فيها أمر الخلق، والزرع، والماء، والنار، ويذكر دور الإنسان فيها، فأمره في الأول لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني في رحم امرأته، ثم ينقطع عمله وعملها، فالعقل يحكم بأن هناك قدرة غيبية تأخذ بزمام الأمور، تعمل في هذا الماء المهين، في تنميته وبناء هيكله، ونفخ الروح فيه.
وأمره في الثاني لا يزيد على الحرث وإلقاء الحب والبذر، الذي هو صنعه سبحانه، ثم ينتهي دوره، فلا محيص عن وجود قدرة تنميه تحت التراب، وتجعله سنبلا أو سنابل فيها حب كثير.
وأما الماء فليس للإنسان فيه أي دور، لكنه أصل الحياة وعنصرها، لا تقوم إلا به، فمن الذي خلقه وأنزله من المزن، وأسكنه في الأرض؟ ومثله النار فليس له فيها شأن سوى أنه يوقدها، ولكن من الذي خلق وقودها، وأنشأ شجرتها التي توقد؟
إن الذكر الحكيم عرض هذه الأمور لغاية الاهتداء بها إلى الحقيقة التي تنتهي إليها هذه الحقائق، والتي تمسك بزمام هذه الظواهر الكونية، ولأجل ذلك ختم الآيات بقوله: * (فسبح باسم ربك العظيم) *.