إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) * (1).
ومع هذه الدعوة المؤكدة التي نادى بها القرآن ظهرت فرقة في العصور الأولى صارت سمتهم وشعارهم إعدام العقل وتعطيله عن التفكر فيما وراء الحس، مما يرجع إلى أسمائه سبحانه وصفاته وغير ذلك، وقالوا معتذرين في تعطيل العقل " إن ما أعطينا من العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية ". (2) وكأن العبودية عند القائل هي القيام والقعود والإمساك، التي هي من واجبات الأعضاء، وغاب عنه أن العبودية تقوم على ركنين، ركن منه يرجع إلى الأعضاء والجوارح، وركن آخر إلى العقل واللب، فتعطيل العقل عن معرفة المعبود بالمقدار الميسور تعطيل للعبودية.
فالاقتصار في معرفة الرب بالعبودية الظاهرية من القيام والقعود من دون التعرف على ما للمعبود من جمال وجلال، يؤدي إلى كون عبودية الإنسان أدون من عبودية الجماد، إذ الجماد ربما يستشعر عظمة الخالق، حسب مقدرته، قال سبحانه: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) * (3).
والعجب أن هذا النمط من الجمود قد عاد إلى الساحة الفكرية باسم السلفية، وأخذ لنفسه طابعا جديدا، وصار الجهل بالمعارف وإعدام العقل عن التفكير مفخرة نادى بها أصحابها، وبذلك انقادوا لما في الصحاح والمسانيد، من