عبر القرون إلى ذروة الكمال من حيث الصناعات والعلوم وتقدمه في معترك العلوم والفنون والثقافة على حد يؤمن إيمانا كاملا بأن الظروف الحاضرة لا تستطيع أن تلبي حاجاته، وتعطي له حياة طيبة وإن المنظمات البشرية مع دويها وعناوينها الفخمة، لا تسعده أو تنقذه من محنته ومشكلته. ولأجل ذلك ظل يتربص بصيصا من الأمل حتى تمده عناية غيبية في إصلاح المجتمع وإسعاده.
ولأجل هذا الأمل والتفتح العقلي لقبول الدعوة الغيبية، إذا ظهر القائد، الذي وعد الله به الأمم لباه كثير من الناس بالإيمان والبيعة، والتضحية والفداء بلا شك وتردد ويستقبلونه بصدور رحيبة.
إن هذا التهيؤ النابع من صميم الإنسان، هو الذي يسهل لقائد الإصلاح أن يصل إلى الغاية التي أمر بتحقيقها بسرعة، وإلى ذلك العامل المؤثر يشير الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت به أحلامهم. (1) إن الشيعة قاطبة وكثيرا من أهل السنة يرون أن ذلك القائد هو الإمام الثاني عشر ومن ذرية الحسين عليه الصلاة والسلام ونجل الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وقد ولد عام 255 ه، وظل في أحضان والده خمس سنين حتى توفي الإمام العسكري عليه السلام فتعلقت مشيئة الله تعالى بغيبته عن أعين الناس لا عن بيئاتهم، بل يحيى حياة إنسانية كاملة من غير أن يعرفونه إلى أن يأذن له الله تبارك وتعالى بالظهور.
والناظر في حياة الأمم يقف على أن ليس ذلك بأمر بديع، فقد كانت بين الأمم غيبة للأنبياء والأولياء حتى أنه سبحانه يأتي بأنموذج واضح في سورة الكهف، ويعرف إنسانا كان وليا راشدا من أوليائه يحيى بين الناس، لم يكن الناس