أقول: ربما يتخيل أنه لو كان نقل الإجماع حجة لم يكن فيما نقل من الإجماعات في مسائل الفقه أولى بالحجية منه، لكنك خبير بأنه رحمه الله لم يدع إلا الإجماع المعنوي، وهو الاتفاق ممن عدا الإمام عليه السلام، وإن كان كاشفا عند الناقل إلا أنه لم ينقل إلا الكاشف دون المكشوف عنه، فنقله في الحقيقة يرجع إلى نقل أقوال العلماء دون الإمام.
وأما دعواه الضرورة، تستلزم دعوى قول الإمام عليه السلام إلا أن من المعلوم أن هذا الحكم لم يبلغ إلى هذا الحد من البداهة وإلا فهذا الذي حكى عنه القول بالتفصيل بين القبل والدبر ليس أدنى من داود الذي حكى عنه نفي الغسل مع عدم الإنزال، ولم يعده مخالفا للضرورة، مع أن الحلي ذكر - قبل دعوى إجماع المسلمين عليه -: أنه الصحيح من الأقوال (1).
ولا يخفى ما فيهما من التدافع إلا أن يريد استقرار الإجماع بعد الخلاف. نعم، دعوى الاتفاق المذكور إنما ينفع في تحصيل الإجماع على طريقة بعض أفاضل عصرنا (2)، حيث يجعل نقل الاتفاق الراجع إلى نقل فتاوى المتفقين بمنزلة تحصيل فتاويهم، فإذا فرضت على تقدير العلم بها كاشفة عن قول الإمام عليه السلام لكثرتها واحتفافها بالقرائن الداخلية أو الخارجية، كانت كذلك مع فرض ثبوتها بنقل الثقة العدل الغير المسامح في النقل والغير المعتمد في نسبة الفتاوى إلى أربابها بمجرد وجدان دليل أو أصل لا بد لهم في اعتقاده من التزامهم بمضمونه، لأن ما دل على اعتبار حكاية الثقة للروايات المشتملة على أسئلة الرواة وأجوبة الأئمة عليهم السلام دل على