وقد اطمأن إليه وظن أنه قد زال ما في نفسه: أنت رجل جميل والنساء يحببن الجمال فتعرض لزوجة النجاشي لعلها تشفع لنا عنده فتعرض لها وأخبر عمرا بذلك فقال إن كنت صادقا فلتعطك من طيب الملك فأعطته فأخبر عمرو النجاشي وأراه الطيب فقال لولا أنه جاري لقتلته.
وكتب رسول الله ص إلى النجاشي مع عمرو بن أمية الضميري يدعوه إلى الاسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان وكانت مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر ومات فزوجه إياها وأصدقها عنه أربعمائة دينار. ولما هاجر النبي ص إلى المدينة رجع من بأرض الحبشة من المسلمين ورجع جعفر وذلك يوم فتح خيبر فقال رسول الله ص ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو برجوع جعفر.
قصة الغرانيق قال الله تعالى في سورة الحج: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد.
قال الواحدي في أسباب النزول وابن سعد في الطبقات الكبير والطبري في تاريخه وجماعة من مفسري أهل السنة انه لما رأى رسول الله ص تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاء به تمنى أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه فجلس يوما في ناد من أندية قريش حول الكعبة فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم فقرأها حتى إذا بلغ أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه: تلك الغرانيق (1) العلى وان شفاعتهن لترتجى وفي رواية وشفاعتهن ترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا ومضى في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق كافر ولا مسلم إلا سجد الا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص اخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وفرحت قريش وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فنزل جبرئيل على رسول الله ص فقال ما ذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله وقلت ما لم أقل لك وفي رواية أنه قال له اعرض علي كلام الله فلما عرض عليه قال اما هذا فلم آتك به هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول الآية اه أقول العجب من هؤلاء الذين أودعوا كتبهم هذه الروايات التي لا يحتاج بطلانها وفسادها إلى بيان والتي تنسب إلى النبي ص أقبح النسب من الزيادة في القرآن بما يقتضي الكفر من مدح الأصنام والقول فيها بقول المشركين انها تشفع وعدم تنبهه حتى نبهه جبرئيل كبرت كلمة تخرج من أفواههم وكيف سر المشركون بذلك وقد قرأ ص السورة إلى آخرها وفيها بعد ذلك ذمهم وذم آلهتهم بقوله أ لكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس وما هذه الروايات الا كالذي رووه من أن النبي ص اثر فيه السحر مصدقين قول الكفار: أن تتبعون إلا رجلا مسحورا وغيرها. أما الذي ذكره مفسرونا فقال الطبرسي في مجمع البيان: روي عن ابن عباس وغيره ان النبي ص لما تلا سورة النجم وبلغ إلى قوله أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى القى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترجى فسر بذلك المشركون فل ما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون وسجد أيضا المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم قال فهذا الخبر ان صح محمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته انه يعيبها قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى والقى ذلك في تلاوته بوهم ان ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان لأنه انما حصل باغوائه ووسوسته قال وهذا أورده المرتضى قدس الله روحه في كتاب التنزيه وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية وهو وجه حسن في تأويله اه.
من الذي عبس وتولى ان جاءه الأعمى.
روى في سبب نزولها: ان عبد الله بن مكتوم اتى رسول الله ص وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل والعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية ابني خلف كما في مجمع البيان وفي الكشاف عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والعباس وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الله ويرجو اسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك ولا يدري تشاغله بالقوم حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله ص لقطعه كلامه فاعرض عنه واقبل على القوم يكلمهم فنزلت: عبس وتولى ان جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى اما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى واما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى. فكان رسول الله ص بعد ذلك يكرمه وإذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة غير مرة. حكى ذلك صاحب مجمع البيان وغيره. وقال الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة: اما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي ص ولا فيها ما يدل على أنه خطاب بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها ما يدل عند التأمل على أن المعني بها غير النبي ص لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات ص في قرآن ولا خبر مع الأعداء المنابذين فضلا عن المؤمنين المسترشدين ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء وهذا مما لا يصف به نبينا ع من يعرفه فليس هذا مشبها لاخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه وكيف يقول له وما عليك ألا يزكى وهو ص مبعوث للدعاء وللتنبيه وكيف لا يكون ذلك عليه وكان هذا القول إغراء بترك الحرص على ايمان قومه وقد قيل إن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله ص كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ونحن ان شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي ان نشك في أنها لم يعن بها النبي ص وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والاقبال على الأغنياء الكافرين والتصدي لهم وقد نزه الله تعالى النبي ص عما دون هذا في التنفير بكثير اه وفي مجمع البيان: ويؤيده قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم. وقوله: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فالظاهر أن الذي عبس وتولى غيره وقد روي عن الصادق ع انه رجل من بني أمية كان عند النبي ص فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وانكره عليه اه أقول: لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي ص على ترك الأولى. وفعل المكروه أو خلاف