أحسن الأدب فقال خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين فلما وعى قال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وفي حلية الأولياء بسنده عن عبيد الله بن الوليد قال لنا أبو جعفر محمد بن علي يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد قلنا لا قال فلستم باخوان كما تزعمون اه وروى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة عن الحجاج بن أرطأة قال أبو جعفر يا حجاج كيف تواسيكم قلت صالح يا أبا جعفر قال يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إله قلت أما هذا فلا فقال أما لو فعلتم ما احتجتم.
ما أشار به على عبد الملك في ضرب الدراهم والدنانير في كتاب المحاسن والمساوي لإبراهيم بن محمد البيهقي قال في الجزء الثاني ما نصه: محاسن المسامرة قال الكسائي دخلت على الرشيد ذات يوم وهو في إيوانه وبين يديه مال كثير قد شق عنه البدر شقا وأمر بتفريقه في خدم الخاصة وبيده درهم تلوح كتابته وهو يتأمله وكان كثيرا ما يحدثني فقال: هل علمت أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت يا سيدي هو عبد الملك بن مروان! قال فما كان السبب في ذلك؟ قلت لا علم لي غير أنه أول من أحدث هذه الكتابة! فقال سأخبرك: كانت القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانيا على دين ملك الروم وكانت تطرز بالرومية وكان طرازها أبا وابنا وروحا قديسا فلم يزل ذلك كذلك صدر الاسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك بن مروان فتنبه له، وكان فطنا، فبينا هو ذات يوم إذ مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فامر ان يترجم بالعربية فعل ذلك فأنكره وقال ما أغلظ هذا في أمر الدين والاسلام أن يكون طراز القراطيس وهي تحمل في الأواني والثياب وهما يعملان بمصر وغير ذلك مما يطرز من ستور وغيرها من عمل هذا البلد على سعته وكثرة ماله وأهله تخرج منه هذه القراطيس فتدور في الآفاق والبلاد وقد طرزت بشرك مثبت عليها فامر بالكتاب إلى عبد العزيز بن مروان وكان عامله بمصر بابطال ذلك الطراز على ما كان يطرز به من ثوب وقرطاس وستر وغير ذلك وأن يأخذ صناع القراطيس أن يطرزوها بسورة التوحيد وشهد الله أنه لا إله إلا هو وهذا طراز القراطيس خاصة إلى هذا الوقت لم ينقص ولم يزد ولم يغير وكتب إلى عمال الآفاق جميعا بابطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم ومعاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شئ منها بالضرب الوجيع والحبس الطويل، فلما أثبتت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد وحمل إلى بلاد الروم منها انتشر خبرها ووصل إلى ملكهم فترجم له ذلك الطراز فأنكره وغلظ عليه واستشاط غضبا فكتب إلى عبد الملك: إن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم ولم يزل يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت وقد بعثت إليك بهدية تشبه محلك وأحببت ان تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق حاجة أشكرك عليها وتامر بقبض الهدية وكانت عظيم القدر فلما قرأ عبد الملك كتابه رد الرسول وأعلمه أن لا جواب له ولم يقبل الهدية فانصرف بها إلى صاحبه فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول إلى عبد الملك وقال اني ظننتك استقللت الهدية فلم تقبلها ولم تجبني عن كتابي فأضعفت لك الهدية وأنا أرغب إليك في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز إلى ما كان عليه أولا فقرأ عبد الملك الكتاب ولم يجبه ورد الهدية فكتب إليه ملك الروم يقتضي أجوبة كتبه ويقول: إنك قد استخففت بجوابي وهديتي ولم تسعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها فجريت على سبيلك الأول وقد أضعفتها ثالثة وأنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما كان عليه أو لآمرن بنقش الدنانير والدراهم فإنك تعلم أنه لا ينقش شئ منها إلا ما ينتش في بلادي ولم تكن الدراهم والدنانير نقشت في الاسلام فينقش عليها من شتم نبيك ما إذا قرأته ارفض جبينك له عرقا فأحب أن تقبل هديتي وترد الطراز إلى ما كان عليه وتجعل ذلك هدية بررتني بها وتبقى على الحال بيني وبينك فلما قرأ عبد الملك الكتاب غلظ عليه وضاقت به الأرض وقال: احسبني أشأم مولود ولد في الاسلام لأني جنيت على رسول الله ص من شتم هذا الكافر ما يبقى غابر الدهر ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب إذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم ودراهمهم، فجمع أهل الاسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به فقال له روح بن زنباع انك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه قال ويحك من؟ قال الباقر من أهل بيت النبي ص قال صدقت ولكنه ارتج علي الرأي فيه فكتب إلى عامله بالمدينة ان أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين مكرما ومتعه بمائتي ألف درهم لجهازه وبثلاثمائة ألف درهم لنفقته وأزح علته في جهازه وجهاز من يخرج معه من أصحابه وأحتبس الرسول قبله إلى موافاته عليه فلما وافى أخبره الخبر فقال له الباقر لا يعظمن هذا عليك فإنه ليس شئ من جهتين إحداهما أن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهددك به صاحب الروم في رسول الله ص والاخرى وجود الحيلة فيه قال وما هي قال تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير وتجعل النقش عليها سورة التوحيد وذكر رسول الله ص أحدهما في وجه الدرهم والدينار والآخر في الوجه الثاني وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي تضرب فيه تلك الدراهم والدنانير وتعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل وعشرة منها وزن ستة مثاقيل وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل فتكون أوزانها جميعا أوزانها واحدا وعشرين مثقالا فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان فتضرب الدراهم على وزن عشرة والدنانير على وزن سبعة مثاقيل وكانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسروية التي يقال لها اليوم البغلية لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكة كسروية في الاسلام مكتوب عليها صورة الملك وتحت الكرسي مكتوب بالفارسية نوش خور اي كل هنيئا وكان وزن الدرهم منها قبل الاسلام مثقالا والدراهم التي كان وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل والعشرة وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف والثقال ونقشها نقش فارس ففعل عبد الملك ذلك وأمره محمد بن علي بن الحسين ان يكتب السكك في جميع بلدان الاسلام وان يتقدم إلى الناس في التعامل بها وأن يتهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكك من الدراهم والدنانير وغيرها وان تبطل وترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكك الاسلامية ففعل عبد الملك ذلك ورد رسول ملك الروم إليه يعلمه بذلك ويقول إن الله جل وعز مانعك مما قدرت أن تفعله وقد تقدمت إلى أعمالي في أقطار البلاد بكذا وكذا وبأبطال السكك والطراز الرومية فقيل لملك الروم إفعل ما كنت تهددت به ملك