نفس ألفاظ الحديث للسامع من بعيد أو قريب، فهو في هذا الحال راو ومحدث، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات بحسب نظره، فهو في هذا الحال مفت وصاحب رأي (1).
3 - وهناك وجه ثالث: وهو أن صاحب الشريعة ما عني بالتفاصيل والجزئيات؛ لعدم سنوح الفرصة لبيانها، أو تعذر بيان حكم موضوعات لم يكن لها نظير في حياتهم، بل كان تصورها - لعدم وجودها - أمرا صعبا على المخاطبين، فلا محيص لصاحب الشريعة عن إلقاء اصول كلية ذات مادة حيوية قابلة لاستنباط الأحكام وفقا للظروف والأزمنة.
4 - إن حياة الدين مرهونة بمدارسته ومذاكرته، ولو افترضنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر التفاصيل والجزئيات وأودعها بين دفتي كتاب، لاستولى الركود الفكري على عقلية الامة، ولا نحسر كثير من المفاهيم والقيم الإسلامية عن ذهنيتها، وأوجب ضياع العلم وتطرق التحريف إلى أصوله وفروعه؛ حتى إلى الكتاب الذي فيه تلك التفاصيل.
وعلى هذا لم تقم للإسلام دعامة، ولا حفظ كيانه ونظامه، إلا على ضوء هذه البحوث العلمية والنقاشات الدارجة بين العلماء، أو رد صاحب فكر على ذي فكر آخر بلا محاباة.
وقد حكى شيخنا العلامة المتضلع شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) (1266 - 1339 ه) في مقدمة كتابه " إبانة المختار " عن بعض الأعلام كلاما يعرب عما قلناه، قال: " إن عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض، من أعظم مزايا هذه الامة التي أعظم الله بها عليهم النعمة؛ حيث حفظهم عن وصمة محاباة أهل الكتابين، المؤدية