سبحانه قد أكمل دينه بقوله: (أليوم أكملت لكم دينكم)، والثالث لا ينسجم مع طبيعة الحياة ونواميسها.
2 - لم يكن كل واحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متمكنا من دوام الحضور عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخذ الأحكام عنه، بل كان في مدة حياته يحضره بعضهم دون بعض، وفي وقت دون وقت، وكان يسمع جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - عن كل مسألة يسأل عنها - بعض الأصحاب ويفوت عن الآخرين، فلما تفرق الأصحاب بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) في البلدان، تفرقت الأحكام المروية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها، فتروى في كل بلدة منها جملة، وتروى عنه في غير تلك البلدة جملة اخرى؛ حيث إنه قد حضر المدني من الأحكام ما لم يحضره المصري، وحضر المصري ما لم يحضره الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضره البصري، وحضر البصري ما لم يحضره الكوفي إلى غير ذلك، وكان كل منهم يجتهد فيما لم يحضره من الأحكام (1).
إن الصحابي قد يسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في واقعة حكما، ويسمع الآخر في مثلها خلافه، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين، وغفل أحدهما عن الخصوصية، أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث، فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهرا؛ بالرغم من عدم تنافيهما واقعا، ولهذه الأسباب وأضعاف أمثالها، احتاج حتى نفس الصحابة - الذين فازوا بشرف الحضور - في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث، وضم بعضه إلى بعض، والالتفات إلى القرائن الحالية، فقد يكون للكلام ظاهر ومراد النبي خلافه اعتمادا على قرينة في المقام، والحديث نقل والقرينة لم تنقل.
وكل واحد من الصحابة - ممن كان من أهل الرأي والرواية - تارة يروي