الداعي في نفسه - مصداق حقيقي للمأمور به، يصير الأمر داعيا إلى إتيان الأجزاء الغير الموجودة، لا إلى إتيان هذا القيد أو الجزء المتحقق في النفس بعلله؛ لأن الأمر لا يدعو إلا إلى ما ليس بحاصل من المقدمات الخارجية والداخلية.
والفرض أن داعي الامتثال حاصل لا من قبل الأمر، بل من قبل المبادئ السالفة، فالأمر قد تعلق بالصلاة بداعي الأمر، وقد عرفت (1) سابقا أنه لا محذور فيه، ولما كان الداعي موجودا فلا يدعو إلا إلى غيره - وهو بقية الأجزاء - فاندفع الإشكال من أصله، فتدبر جيدا.
وهاهنا وجه آخر لعله يكون أقرب إلى الأفهام؛ وهو أنه بعدما عرفت (2) في المقدمة الاولى أن قصد الأمر والامتثال وأمثالهما، قد يؤخذ بنحو الجزئية، أو بنحو القيدية، وقد لا يؤخذ في المأمور به، بل يكون من قيود محصل المأمور به، وفي المقدمة الثانية (3) أن المحرك الداعي إلى امتثال أوامر المولى هو إحدى المبادئ الخمسة.
فاعلم: أن المكلف إذا كان في نفسه المبدأ المحرك متحققا، فلا محالة يصير هذا المبدأ أولا داعيا إلى امتثال أوامر المولى بنحو العنوان الكلي، ثم ينشأ من هذا الداعي داع إلى ما يكون مصداقا لهذا العنوان الكلي، كالصلاة والحج مثلا، ويمكن أن يكون المأمور به هو عنوان " الصلاة " وتعلق الأمر بهذا العنوان، دون نفس الأجزاء والشرائط، وتكون الأجزاء في حال تحقق الشرائط ورفع الموانع مصداقا له.