17 - والحق في الجواب عن كلام المحقق الخراساني، يظهر بتوضيح أمرين:
الأول: أن متعلقات الأوامر ليست إلا المهيات المعقولة، لا أقول: إن المأمور به إنما هي الصلاة في الذهن، حتى يصير امتثاله محالا، بل طبيعة الصلاة بما أنها مهية كلية قابلة للانطباق على كثيرين، والوجود الذهني آلة تصورها، فالبعث إليها في الحقيقة أمر بإيجادها وتحصيلها، فهي بما أنها مفهوم، مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلق للحكم على تسامح في إطلاق العرض عليه، والوجود الخارجي مصداق للمأمور به لا نفس الواجب، ولذلك يكون الخارج ظرف السقوط دون الثبوت. وعليه: فالموضوع في المقام ليس إلا الصلاة المتصورة مع قصد أمرها، والإنشاء والأمر إنشاء على ذلك المقيد.
الثاني: أن الأمر ليس إلا المحرك والباعث الإيقاعي، لا المحرك الحقيقي والباعث التكويني، ولهذا ليس شأنه إلا تعيين موضوع الطاعة، من غير أن يكون له تأثير في بعث المكلف تكوينا، وإلا لوجب اتفاق الأفراد في الإطاعة، بل المحرك والداعي حقيقة ليست إلا بعض المبادئ الموجودة في نفس المكلف، كمعرفته لمقام ربه، ودرك عظمته وجلاله وكبريائه، أو الخوف من سلاسله وناره، أو الطمع في رضوانه وجنته.
فحينئذ نقول: إن أراد القائل - من كون الأمر محركا إلى محركية نفسه - أن الأمر الإنشائي المتعلق بالعنوان المقيد موجب لذلك المحال، فقد عرفت أن الإنشاء والإيقاع لا يحتاج إلى مؤنة أزيد من تصور الطرفين، مع أنه قد أقر بصحة ذلك الإيقاع.
وإن أراد: أن الأمر المحرك للمكلف تكوينا محرك إلى محركية نفسه، فهو باطل بحكم الأمر الثاني، وأن نسبة التحريك إليه بضرب من التشبيه؛ إذ العبد إذا أدرك استحقاق المولى للإطاعة أو خاف من ناره وغضبه ورأى أن الإطاعة لا يحقق إلا بالإتيان بالصلاة المقيدة، فلا محالة يقوم بامتثاله كيف ما أمر.
وأما قوله: إن الصلاة غير متعلقة بالأمر، حتى يأتي بها بقصد أمرها؛ لأن المفروض أن الأمر لم يتعلق إلا بالمقيد بقصد الأمر.
فالجواب عنه يتوقف على رفع الحجاب عن كيفية دعوة الأمر في المركبات والمقيدات إلى أجزائها وقيودها.
ومجمل القول فيه: أن الأوامر المتعلقة بالمركبات والمقيدات إنما تتعلق بهما بما أنهما موضوعات وحدانية ولو اعتبارا، ولها أمر واحد لا ينحل إلى أوامر متعددة، ولا فرق بينهما وبين البسائط في ناحية الأمر، فهو بعث وحداني تعلق بالبسيط أو المركب والمقيد، فالمطابق للبرهان والوجدان هو: أن البعث في هذه الأقسام الثلاثة على وزان واحد، لا ينحل الأمر إلى أوامر، ولا الإرادة إلى إرادات وإن كانت تفترق في انحلال الموضوع في الأولين دون الثالث، ولكن دعوة الأمر إلى إيجاد القيود والأجزاء بعين الدعوة إلى إيجاد المركب والمقيد، وإيجاد القيد أو الجزء امتثال للأمر المتعلق بالمقيد والمركب، لا امتثال لأمرهما الضمني أو الانحلالي، كما اشتهر بين القوم؛ لأن العقل حاكم على أن كيفية امتثال الأمر المتعلق بالمركب والمقيد، إنما هو بالإتيان بالأجزاء وإيجاد القيود، فحينئذ فالجزء أو القيد ليس غير مدعو إليهما رأسا، ولا مدعو إليهما بدعوة خاصة منحلة، بل مدعو إليهما بعين دعوته إلى المركب أو المقيد؛ إذ الأمر واحد والمتعلق فارد.
إذا عرفت ذلك، تقدر على حل العويصة؛ إذ المأمور به وإن كان هو المقيد بقصد الأمر - وهو قد تعلق بنعت التقيد - إلا أن نفس الصلاة المأتي بها تكون مدعوة بنفس دعوة الأمر المتعلق بالمقيد، لا بأمرها الخاص، وهذا يكفي في مقام الإطاعة. (تهذيب الاصول 1:
116 - 117).