بأحسن تفسير، فأحسن تفسيرا معطوف على الحق، والاستثناء بقوله (إلا جئناك) مفرغ، والجملة في محل نصب على الحال: أي لا يأتونك بمثل إلا في حال إيتائنا إياك ذلك. ثم أوعد هؤلاء الجهلة وذمهم فقال (الذين يحشرون على وجوهم إلى جهنم) أي يحشرون كائنين على وجوهم، والموصول مبتدأ وخبره: أولئك، أو هو خبر مبتدأ محذوف: أي هم الذين، ويجوز نصبه على الذم. ومعنى يحشرون على وجوهم: يسحبون عليها إلى جهنم (أولئك شر مكانا) أي منزلا ومصيرا (وأضل سبيلا) وأخطأ طريقا، وذلك لأنهم قد صاروا في النار. وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان، وقد قيل إن هذا متصل بقوله - أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا -.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا) قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق، فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون لا ثم تنشق السماء الثانية وذكر مثل ذلك، ثم كذلك في كل سماء إلى السماء السابعة، وفي كل سماء أكثر من السماء التي قبلها، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون، وهم أكثر من أهل السماوات السبع والإنس والجن وجميع الخلق، لهم قرون ككعوب القثاء، وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيره خمسمائة عام، وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام. وإسناده عند ابن جرير هكذا: قال حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني الحجاج بن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس فذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم باسناد هكذا: قال حدثنا محمد بن عمار بن الحرث مأمول، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد به. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند، قال السيوطي:
صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت:
أشد ما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية، فقال: مالك لا ترد على تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟
قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال نعم، قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم ألتفت إليه فقال: إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: أخرج معنا، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله في جدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسيرا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل الله في أبي معيط (ويوم يعض الظالم على يديه) إلى قوله (وكان الشيطان للإنسان خذولا). وأخرج أبو نعيم هذه القصة