الزمني في أكلهم من بيوت أقاربهم أو بيوت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو. قال النحاس: وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه من الصحابة والتابعين من التوقيف. وقيل إن هؤلاء المذكورين كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذارا من استقذارهم إياهم وخوفا من تأذيهم بأفعالهم فنزلت. وقيل إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به القدرة الكاملة على المشي على وجه يتعذر الإتيان به مع العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه. وقيل المراد بهذا الحرج المرفوع عن هؤلاء هو الحرج في الغزو: أي لا حرج على هؤلاء في تأخرهم عن الغزو. وقيل كان الرجل إذا أدخل أحدا من هؤلاء الزمني إلى بيته فلم يجد فيه شيئا يطعمهم إياه ذهب بهم إلى بيوت قرابته، فيتحرج الزمني من ذلك فنزلت. ومعنى قوله (ولا على أنفسكم) عليكم وعلى من يماثلكم من المؤمنين (أن تأكلوا) أنتم ومن معكم، وهذا ابتداء كلام: أي ولا عليكم أيها الناس. والحاصل أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض إن كان باعتبار مؤاكلة الأصحاء، أو دخول بيوتهم " ولا على أنفسكم " متصلا بما قبله، وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف التي يشترط فيها وجود البصر وعدم العرج وعدم المرض، فقوله " ولا على أنفسكم " ابتداء كلام غير متصل بما قبله. ومعنى (من بيوتكم) البيوت التي فيها متاعهم وأهلهم فيدخل بيوت الأولاد كذا قال المفسرون، لأنها داخلة في بيوتهم لكون بيت ابن الرجل بيته، فلذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد وذكر بيوت الاباء وبيوت الأمهات ومن بعدهم. قال النحاس: وعارض بعضهم هذا فقال: هذا تحكم على كتاب الله سبحانه بل الأولى في الظاهر أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء. ويجاب عن هذه المعارضة بأن رتبة الأولاد بالنسبة إلى الآباء لا تنقص عن رتبة الآباء بالنسبة إلى الأولاد، بل للآباء مزيد خصوصية في أموال الأولاد لحديث " أنت ومالك لأبيك " وحديث " ولد الرجل من كسبه " ثم قد ذكر الله سبحانه هاهنا بيوت الإخوة والأخوات، بل بيوت الأعمام والعمات، بل بيوت الأخوال والخالات، فكيف ينفي سبحانه الحرج عن الأكل من بيوت هؤلاء، ولا ينفيه عن بيوت الأولاد؟ وقد قيد بعض العلماء جواز الأكل من بيوت هؤلاء بالإذن منهم. وقال آخرون:
لا يشترط الإذن. قيل وهذا إذا كان الطعام مبذولا، فإن كان محرزا دونهم لم يجز لهم أكله. ثم قال سبحانه (أو ما ملكتم مفاتحه) أي البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها، وذلك كالوكلاء والعبيد والخزان، فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن لهم بدخول بيته وإعطائهم مفاتحه. وقيل المراد بها بيوت المماليك. قرأ الجمهور " ملكتم " بفتح الميم وتخفيف اللام. وقرأ سعيد بن جبير بضم الميم وكسر اللام مع تشديدها. وقرأ أيضا " مفاتيحه " بياء بين التاء والحاء. وقرأ قتادة " مفاتحه " على الإفراد، والمفاتح جمع مفتح، والمفاتيح جمع مفتاح (أو صديقكم) أي لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوت صديقكم وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة، فإن الصديق في الغالب يسمح لصديقه بذلك وتطيب به نفسه، والصديق يطلق على الواحد والجمع، ومنه قول جرير:
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا * بأسهم أعداء وهن صديق ومثله العدو والخليط والقطين والعشير، ثم قال سبحانه (ليس عليكم جناح أن تأكلوا) من بيوتكم (جميعا أو أشتاتا) انتصاب جميعا وأشتاتا على الحال. والأشتات جمع شت، والشت المصدر: بمعنى التفرق، يقال شت القوم: أي تفرقوا، وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله: أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم مجتمعين أو متفرقين، وقد كان بعض العرب يتحرج أن يأكل وحده حتى يجد له أكيلا يؤاكله فيأكل معه، وبعض العرب كان لا يأكل إلا مع ضيف، ومنه قول حاتم: