وصدوا الناس عنها، ومعنى " معاجزين " مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا ولا يدركون، وذلك باعتقادهم أنهم لا يبعثون، يقال عاجزه وأعجزه: إذا غالبه وسبقه. قرأ الجمهور " معاجزين " وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو " معجزين " أي مثبطين للناس عن الإيمان بالآيات (أولئك) أي الذين سعوا (لهم عذاب من رجز) الرجز هو العذاب، فمن للبيان، وقيل الرجز هو أسوأ العذاب وأشده، والأول أولى، ومن ذلك قوله - فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء - قرأ الجمهور (أليم) بالجر صفة لرجز، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالرفع صفة لعذاب، والأليم الشديد الألم (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) لما ذكر الذين سعوا في إبطال آيات الله ذكر الذين يؤمنون بها، ومعنى (ويرى الذين أوتوا العلم) أي يعلمون وهم الصحابة. وقال مقاتل: هم مؤمنو أهل الكتاب، وقيل جميع المسلمين، والموصول هو المفعول الأول ليرى، والمفعول الثاني الحق، والضمير هو ضمير الفصل. وبالنصب قرأ الجمهور، وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على أنه خبر الضمير، والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني، وهي لغة تميم، فإنهم يرفعون ما بعد ضمير الفصل، وزعم الفراء أن الاختيار الرفع، وخالفه غيره وقالوا النصب أكثر. قيل وقوله " يرى " معطوف على ليجزي، وبه قال الزجاج والفراء، واعترض عليهما بأن قوله " ليجزي " متعلق بقوله " لتأتينكم " ولا يقال لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق، والأولى أنه كلام مستأنف لدفع ما يقوله الذين سعوا في الآيات: أي إن ذلك السعي منهم يدل على جهلهم لأنهم مخالفون لما يعلمه أهل العلم في شأن القرآن (ويهدي إلى صراط مستقيم) معطوف على الحق عطف فعل على اسم، لأنه في تأويله كما في قوله - صافات ويقبضن - أي وقابضات كأنه قيل وهاديا، وقيل إنه مستأنف وفاعله ضمير يرجع إلى فاعل أنزل، وهو القرآن، والصراط الطريق: أي ويهدي إلى طريق (العزيز) في ملكه (الحميد) عند خلقه، والمراد أنه يهدي إلى دين الله وهو التوحيد. ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من كلام منكري البعث فقال (وقال الذين كفروا) أي قال بعض لبعض (هل ندلكم على رجل)، يعنون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أي هل نرشدكم إلى رجل (ينبئكم) أي يخبركم بأمر عجيب ونبأ غريب هو أنكم (إذا مزقتم كل ممزق) أي فرقتم كل تفريق وقطعتم كل تقطيع وصرتم بعد موتكم رفاتا وترابا (إنك لفي خلق جديد) أي تخلقون خلقا جديدا وتبعثون من قبوركم أحياء وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها، قال هذا القول بعضهم لبعض استهزاء بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث، وأخرجوا الكلام مخرج التلهي به والتضاحك مما يقوله من ذلك، " وإذا " في موضع نصب بقوله " مزقتم ". قال النحاس: ولا يجوز أن يكون العامل فيها ينبئكم لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت، ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد إن لأنه لا يعمل فيما قبلها. وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا، والتقدير: إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو نبئتم بأنكم تبعثون إذا مزقتم، وقال المهدوي: لا يجوز أن يعمل فيه مزقتم لأنه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وأصل المزق خرق الأشياء، يقال ثوب مزيق وممزق ومتمزق وممزوق. ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم رددوا ما وعدهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البعث بين أمرين فقالوا (أفترى على الله كذبا أم به جنة) أي أهو كاذب فيما قاله أم به جنون بحيث لا يعقل ما يقوله، والهمزة في أفترى هي همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل كما تقدم في قوله - أطلع الغيب - ثم رد عليهم سبحانه ما قالوه في رسوله فقال (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) أي ليس الأمر كما زعموا، بل هم الذين ضلوا عن الفهم وإدراك الحقائق، فكفروا بالآخرة ولم يؤمنوا بما جاءهم به، فصاروا بسبب ذلك في العذاب الدائم في الآخرة وهم اليوم في الضلال البعيد عن الحق غاية البعد.
(٣١٣)