لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) أي لو صح ما يزعمونه من أنهم يعلمون الغيب لعلموا بموته ولم يلبثوا بعد موته مدة طويلة في العذاب المهين في العمل الذي أمرهم به والطاعة له وهو إذ ذاك ميت. قال مقاتل:
العذاب المهين: الشقاء والنصب في العمل. قال الواحدي: قال المفسرون: كانت الناس في زمان سليمان يقولون إن الجن تعلم الغيب، فلما مكث سليمان قائما على عصاه حولا ميتا، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة سليمان لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتا فعلموا بموته، وعلم الناس أن الجن لا تعلم الغيب، ويجوز أن يكون تبينت الجن من تبين الشئ، لا من تبينت الشيء: أي ظهر وتجلى، وأن وما في حيزها بدل اشتمال من الجن مع تقدير محذوف: أي ظهر أمر الجن للناس أنهم وكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، أو ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب الخ. قرأ الجمهور " تبينت " على البناء للفاعل مسندا إلى الجن. وقرأ ابن عباس ويعقوب " تبينت " على البناء للمفعول، ومعنى القراءتين يعرف مما قدمنا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أوبي معه) قال: سبحي معه، وروي مثله عن أبي ميسرة ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله (وألنا له الحديد) قال: كالعجين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه أيضا في قوله (وقدر في السرد) قال: حلق الحديد. وأخرج عبد الرزاق والحاكم عنه أيضا (وقدر في السرد) قال: لا تدق المسامير وتوسع الحلق فتسلس، ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلق فتقصم، واجعله قدرا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه أيضا في قوله (وأسلنا له عين القطر) قال النحاس. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال: القطر النحاس لم يقدر عليها أحد بعد سليمان، وإنما يعمل الناس بعده فيما كان أعطى سليمان. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: القطر الصفر. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس في قوله (وتماثيل) قال: اتخذ سليمان تماثيل من نحاس فقال: يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة، فنفخ الله فيها الروح فكانت تخدمه، وكان اسفنديار من بقاياهم، فقيل لداود وسليمان (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (كالجواب) قال: كالجوبة من الأرض (وقدور راسيات) قال: أثافيها منها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (وقليل من عبادي الشكور) يقول: قليل من عبادي الموحدين توحيدهم. وأخرج هؤلاء عنه أيضا قال: لبث سليمان على عصاه حولا بعد ما مات، ثم خر على رأس الحول، فأخذت الجن عصى مثل عصاه ودابة مثل دابته فأرسلوها عليها فأكلتها في سنة، وكان ابن عباس يقرأ (فلما خر تبينت الجن) الآية، قال سفيان: وفي قراءة ابن مسعود " وهم يدأبون له حولا ". وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " كان سليمان إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها ما اسمك؟ فتقول كذا وكذا، فيقول لما أنت؟
فتقول لكذا وكذا، فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت " وصلى ذات يوم فإذا شجرة نابتة بين يديه فقال لها ما اسمك؟ قالت الخروب؟ قال لأي شئ أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عم عن الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فهيأ عصا فتوكأ عليها، وقبضه الله وهو متكئ عليها، فمكث حولا ميتا والجن تعمل، فأكلتها الأرضة فسقطت، فعلموا عند ذلك بموته، فتبينت الإنس (أن) الجن (لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، فشكرت الجن للأرضة،