عليه وآله وسلم تزوجت عائشة أو أم سلمة، فأنزل الله (وما كان لكن أن تؤذوا رسول الله) الآية. وأخرج ابن جرير عنه " أن رجلا أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلمها وهو ابن عمها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا، فقال: يا رسول الله إنها ابنة عمي، والله ما قلت لها منكرا ولا قالت لي، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد عرفت ذلك إنه ليس أحد أغير من الله، وإنه ليس أحد أغير مني، فمضى ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمى لأتزوجنها من بعده، فأنزل الله هذه الآية، فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله، وحج ماشيا توبة من كلمته. وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قالت: خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن أسماء متزوجة عليا، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله. وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قوله (إن تبدوا شيئا أو تخفوه) قال: إن تكلموا به فتقولون تتزوج فلانه لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو تخفوه ذلك في أنفسكم فلا تنطقوا به يعلمه الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله (لا جناح عليهن) إلى آخر الآية قال: أنزلت هذه في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، وقوله (نساء النبي) يعني نساء المسلمات (وما ملكت أيمانهن) من المماليك والإماء ورخص لهن أن يروهن بعد ما ضرب الحجاب عليهن.
قرأ الجمهور (وملائكته) بنصب الملائكة عطفا على لفظ اسم إن. وقرأ ابن عباس (وملائكته) بالرفع عطفا على محل اسم إن، والضمير في قوله (يصلون) راجع إلى الله وإلى الملائكة، وفيه تشريف للملائكة عظيم حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحدا، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع قول الخطيب يقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال: بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله، ووجه ذلك أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد، وهذا الحديث ثابت في الصحيح. وثبت أيضا في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر مناديا ينادي يوم خيبر: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية. ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحدا، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحمل الذم لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه صلى الله عليه وآله وسلم فهم منه إرادة التسوية بين الله سبحانه وبين رسوله، فيختص المنع بمثل ذلك، وهذا أحسن ما قيل في الجمع.
وقالت طائفة: في هذه حذف، والتقدير: إن الله يصلي وملائكته يصلون، وعلى هذا القول فلا تكون الآية مما جمع فيه بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد، ولا يرد أيضا ما قيل إن الصلاة من الله الرحمة ومن ملائكته الدعاء