نحبه: أي قتل، والنحب أيضا الحاجة وإدراك الأمنية، يقول قائلهم: مالي عندهم نحب، والنحب العهد، ومنه قول الشاعر: لقد نحبت كلب على الناس أنهم * أحق بتاج الماجد المتكرم وقال آخر: * قد نحب المجد علينا نحبا * ومن ورود النحب في الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر:
* أنحب فيقضي أم ضلال وباطل * ومعنى الآية: أن من المؤمنين رجالا أدركوا أمنيتهم وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر (ومنهم من ينتظر) قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم فإنهم مستمرون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقتال لعدوه، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل وإدراك فضل الشهادة، وجملة (وما بدلوا تبديلا) معطوفة على صدقوا: أي ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم، بل ثبتوا عليه ثبوتا مستمرا، أما الذين قضوا نحبهم فظاهر، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدلوا، واللام في قوله (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) يجوز أن يتعلق بصدقوا أو بزادهم، أو بما بدلوا، أو بمحذوف، كأنه قيل:
وقع جميع ما وقع ليجزي الله الصادقين بصدقهم (ويعذب المنافقين إن شاء) بما صدر عنهم من التغيير والتبديل، جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بسبب تبديلهم وتغييرهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبها والسعي لتحصيلها، ومفعول " إن شاء " وجوابها محذوفان: أي إن شاء تعذيبهم عذبهم، وذلك إذا أقاموا على النفاق ولم يتركوه ويتوبوا عنه (إن الله كان غفورا رحيما) أي لمن تاب منهم وأقلع عما كان عليه من النفاق. ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة وما أمتن به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال (ورد الله الذين كفروا) وهم الأحزاب، والجملة معطوفة على (فأرسلنا عليهم ريحا) أو على المقدر عاملا في ليجزي الله الصادقين بصدقهم، كأنه قيل:
وقع ما وقع من الحوادث ورد الله الذين كفروا، ومحل (بغيظهم) النصب على الحال، والباء للمصاحبة: أي حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له، ويجوز أن تكون للسببية، وجملة (لم ينالوا خيرا) في محل نصب على الحال أيضا من الموصول، أو من الحال الأولى على التعاقب، أو التداخل. والمعنى: أن الله ردهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيرا في اعتقادهم، وهو الظفر بالمسلمين، أو لم ينالوا خيرا أي خير، بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة (وكفى الله المؤمنين القتال) بما أرسله من الريح والجنود من الملائكة (وكان الله قويا عزيزا) على كل ما يريده إذا قال له كن كان، عزيزا غالبا قاهرا لا يغالبه أحد من خلقه ولا يعارضه معارض في سلطانه وجبروته.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله (سلقوكم) قال: استقبلوكم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (وكان ذلك على الله يسيرا) قال: هينا. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وابن النجار عن عمر في قوله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) قال: في جوع رسول الله، وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة، وهي خارجة عما نحن بصدده. وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله (ولما رأى المؤمنون الأحزاب) إلى آخر الآية قال: إن الله قال لهم في سورة البقرة - أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء - فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) فتأول المسلمون ذلك فلم يزدهم