قوله (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) العامل في الظرف محذوف: أي واذكر، كأنه قال: يا أيها النبي اتق الله واذكر أن الله أخذ ميثاق النبيين. قال قتادة: أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا أن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا. وقال مقاتل: أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله، ويدعوا إلى عبادة الله، وأن يصدق بعضهم بعضا، وأن ينصحوا لقومهم. والميثاق هو اليمين، وقيل هو الإقرار بالله، والأول أولى، وقد سبق تحقيقه. ثم خصص سبحانه بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم ولغيرهم، فقال (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة من أولي العزم من الرسل، وتقديم ذكر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع تأخر زمانه فيه من التشريف له والتعظيم مالا يخفى. قال الزجاج: وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم كالذر. ثم أكد ما أخذه على النبيين من الميثاق بتكرير ذكره وصفه بالغلظ فقال (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا وما أخذه الله عليهم، ويجوز أن يكون قد أخذ الله عليهم الميثاق مرتين، فأخذ عليهم في المرة الأولى مجرد الميثاق بدون تغليظ ولا تشديد، ثم أخذه عليهم ثانيا مغلظا مشددا، ومثل هذه الآية قوله - وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه - واللام في قوله (ليسأل الصادقين عن صدقهم) يجوز أن تكون لام كي: أي لكي يسأل الصادقين من النبيين عن صدقهم في تبليغ الرسالة إلى قومهم، وفي هذا وعيد لغيرهم، لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم. وقيل ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم كما في قوله - فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين - ويجوز أن تتعلق بمحذوف: أي فعل ذلك ليسأل (وأعد للكافرين عذابا أليما) معطوف على ما دل عليه (ليسأل الصادقين) إذ التقدير: أثاب الصادقين وأعد للكافرين، ويجوز أن يكون معطوفا على أخذنا، لأن المعنى: أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه ليثيب المؤمنين وأعد للكافرين. وقيل إنه قد حذف من الثاني ما أثبت مقابله في الأول، ومن الأول ما أثبت مقابله في الثاني، والتقدير: ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم، ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم وأعد لهم عذابا أليما. وقيل إنه معطوف على المقدر عاملا في ليسأل كما ذكرنا، ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله (ليسأل الصادقين عن صدقهم) وتكون جملة (وأعد لهم) مستأنفة لبيان ما أعده للكفار (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم) هذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معها خوف من أحد وقوله " عليكم " متعلق بالنعمة إن كانت مصدرا أو بمحذوف هو حال: أي كائنة عليكم، ومعنى (إذ جاءتكم جنود) حين جاءتكم جنود، وهو ظرف للنعمة، أو للمقدر عاملا في عليكم، أو لمحذوف هو أذكر، والمراد بالجنود: جنود الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغزوه إلى المدينة، وهي الغزوة المسماة " غزوة الخندق " وهم: أبو سفيان بن حرب بقريش ومن معهم من الألفاف، وعيينة بن حفص الفزاري ومن معه من قومه غطفان وبنو قريظة والنضير، فضايقوا المسلمين مضايقة شديدة كما وصف الله سبحانه في هذه الآيات، وكانت هذه الغزوة في شوال سنة خمس من الهجرة. قاله ابن إسحاق. وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك: كانت في سنة أربع. وقد بسط أهل السير في هذه الوقعة ما هو معروف فلا نطيل بذكرها (فأرسلنا عليهم ريحا) معطوف على جاءتكم. قال مجاهد: هي الصبا، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم، ويدل على هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور "، والمراد بقوله (وجنودا لم تروها) الملائكة. قال المفسرون: بعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب
(٢٦٤)