أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء كما يدل عليه قوله " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة. قال: ثم إن في مصحف أبي بن كعب " وأزواجه أمهاتهم، وهو أب لهم " وقرأ ابن عباس " أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم "، ثم بين الله سبحانه أن القرابة أولى ببعضهم البعض فقال (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) المراد بأولى الأرحام القرابات: أي هم أحق ببعضهم البعض في الميراث، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأنفال وهى ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة. قال قتادة: لما نزل قوله سبحانه في سورة الأنفال - والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا - فتوارث المسلمون بالهجرة، ثم نسخ ذلك بهذه الآية، وكذا قال غيره. وقيل إن هذه الآية ناسخة للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، و (في كتاب الله) يجوز أن يتعلق بأفعل التفضيل في قوله (أولى ببعض) لأنه يعمل في الظرف، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو حال من الضمير: أي كائنا في كتاب الله والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ أو القرآن أو آية المواريث، وقوله (من المؤمنين) يجوز أن يكون بيانا لأولوا الأرحام والمعنى إن ذوي القرابات من المؤمنين (والمهاجرين) بعضهم أولى ببعض، ويجوز أن يتعلق بأولى: أي وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين الذين هم أجانب، وقيل إن معنى الآية: وأولوا الأرحام ببعضهم أولى ببعض: إلا ما يجوز لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كونهم كالأمهات في تحريم النكاح، وفي هذا من الضعف مالا يخفى (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) هذا الاستثناء إما متصل من أعم العام، والتقدير: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كل شئ من الإرث وغيره إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا من صدقة أو وصية فإن ذلك جائز. قاله قتادة والحسن وعطاء ومحمد ابن الحنفية. قال محمد ابن الحنفية: نزلت في إجازة الوصية لليهودي والنصراني. فالكافر ولي في النسب لا في الدين، فتجوز الوصية له، ويجوز أن يكون منقطعا، والمعنى: لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به، ومعنى الآية: أن الله سبحانه لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصى لهم. وقال مجاهد: أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة، والإشارة بقوله (كان ذلك) إلى ما تقدم ذكره: أي كان نسخ الميراث بالهجرة والمحالفة والمعاقدة، ورده إلى ذوي الأرحام من القرابات (في الكتاب مسطورا) أي في اللوح المحفوظ، أو في القرآن مكتوبا.
وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما يصلي، فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم؟ فنزل (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). وأخرج ابن مردويه عنه من طريق أخرى بلفظ صلى لله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة فسها فيها.
فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون، فقالوا: إن له قلبين، فنزلت. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا قال: كان رجل من قريش يسمى من هائه ذا القلبين، فأنزل الله هذا في شأنه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن (ادعوهم لآبائهم) الآية، فقال رسول الله: أنت زيد بن حارثة بن شراحيل. وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " مامن مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ". وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه من حديث جابر نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد