القراءة فيه (فترى الودق يخرج من خلاله) الودق المطر، ومن خلاله من وسطه. وقرأ أبو العالية والضحاك " يخرج من خلله " (فإذا أصاب به) أي بالمطر (من يشاء من عباده) أي بلادهم وأرضهم (إذا هم يستبشرون) إذا هي الفجائية: أي فاجئوا الاستبشار بمجيء المطر، والاستبشار الفرح (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم) أي من قبل أن ينزل عليهم المطر، وإن هي المخففة وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها: أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم، وقوله (من قبله) تكرير للتأكيد، قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس. وقال قطرب: إن الضمير في قبله راجع إلى المطر: أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر.
وقيل المعنى: من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر، وقيل من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب:
أي من قبل رؤيته، واختار هذا النحاس. وقيل الضمير عائد إلى الكسف، وقيل إلى الإرسال، وقيل إلى الاستبشار. والراجح الوجه الأول، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف، وخبر كان (لمبلسين) أي آيسين حديث أو بائسين. وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا (فانظر إلى أثر رحمت الله) الناشئة عن إنزال المطر من النبات والثمار والزرائع لأنه التي بها يكون الخصب ورخاء العيش: أي انظر نظر اعتبار واستبصار لتستدل بذلك على توحيد الله وتفرده بهذا الصنع العجيب. قرأ الجمهور " أثر " بالتوحيد. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي آثار بالجمع (كيف يحيي الأرض بعد موتها) فاعل الإحياء ضمير يعود إلى الله سبحانه، وقيل ضمير يعود إلى الأثر، وهذه الجملة في محل نصب بانظر: أي انظر إلى كيفية هذا الإحياء البديع للأرض. وقرأ الجحدري وأبو حيوة " تحيي " بالفوقية على أن فاعله ضمير يعود إلى الرحمة أو إلى الآثار على قراءة من قرأ بالجمع، والإشارة بقوله (إن ذلك) إلى الله سبحانه: أي إن الله العظيم الشأن المخترع لهذه الأشياء المذكورة (لمحيي الموتى) أي لقادر على إحيائهم في الآخرة وبعثهم ومجازاتهم كما أحيا الأرض الميتة بالمطر (وهو على كل شئ قدير) أي عظيم القدرة كثيرها (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) الضمير في فرأوه يرجع إلى الزرع والنبات الذي كان من أثر رحمة الله: أي فرأوه مصفرا من البرد الناشئ عن الريح التي أرسلها الله بعد اخضراره. وقيل راجع إلى الريح، وهو يجوز تذكيره وتأنيثه. وقيل راجع إلى الأثر المدلول عليه بالآثار. وقيل راجع إلى السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر، والأول أولى. واللام هي الموطئة، وجواب القسم (لظلوا من بعده يكفرون) وهو يسد مسد جواب الشرط. والمعنى: ولئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة، فضربت زرعهم بالصفار لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله ويجحدون نعمه، وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم وعدم صبرهم وضعف قلوبهم، وليس كذا حال أهل الإيمان. ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال (فإنك لا تسمع الموتى) إذا دعوتهم، فكذا هؤلاء لعدم فهمهم للحقائق ومعرفتهم للصواب (ولا تسمع الصم الدعاء) إذا دعوتهم إلى الحق ووعظتهم بمواعظ الله، وذكرتهم الآخرة وما فيها. وقوله (إذا ولوا مدبرين) بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات وكونهم صم الآذان، قد تقدم تفسير هذا في سورة النمل. ثم وصفهم بالعمى فقال (وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم) لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي، أو لفقدهم للبصائر (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) أي ما تسمع إلا هؤلاء لكونهم أهل التفكر والتدبر والاستدلال بالآثار على المؤثر (فهم مسلمون) أي منقادون للحق متبعون له (الله الذي خلقكم من ضعف) ذكر سبحانه استدلالا آخر على كمال قدرته، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة، ومعنى من ضعف:
من نطفة. قال الواحدي: قال المفسرون: من نطفة، والمعنى من ذي ضعف. وقيل المراد حال الطفولية والصغر (ثم جعل من بعد ضعف قوة) وهي قوة الشباب، فإنه إذ ذاك تستحكم القوة وتشتد الخلقة إلى بلوغ النهاية