ما يميزه عن غيره من الأفراد، وفي هذا من بديع القدرة مالا يعقله إلا العالمون، ولا يفهمه الا المتفكرون (إن في ذلك لآيات للعالمين) الذين هم من جنس هذا العالم من غير فرق بين بر وفاجر، قرأ الجمهور بفتح لام العالمين.
وقرأ حفص وحده بكسرها. قال الفراء: وله وجه جيد لأنه قد قال " لآيات لقوم يعقلون - لآيات لأولي الألباب - وما يعقلها إلا العالمون " (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) قيل في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار. وقيل المعنى صحيح من دون تقديم وتأخير: أي ومن آياته العظيمة أنكم تنامون بالليل وتنامون بالنهار في بعض الأحوال للاستراحة كوقت القيلولة وابتغاؤكم من فضله فيهما، فإن كل واحد منهما يقع فيه ذلك، وإن كان ابتغاء الفضل في النهار أكثر. والأول هو المناسب لسائر الآيات الواردة في هذا المعنى، والآخر هو المناسب للنظم القرآني هاهنا. ووجه ذكر النوم والابتغاء هاهنا وجعلهما من جملة الأدلة على البعث أن النوم شبيه بالموت، والتصرف في الحاجات والسعي في المكاسب شبيه بالحياة بعد الموت (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) أي يسمعون الآيات والمواعظ سماع متفكر متدبر فيستدلون بذلك على البعث (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا) المعنى: أن يريكم، فحذف أن لدلالة الكلام عليه كما قال طرفه: ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي والتقدير: أن أحضر، فلما حذف الحرف في الآية والبيت بطل عمله، ومنه المثل المشهور " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " وقيل هو على التقديم والتأخير: أي ويريكم البرق من آياته، فيكون من عطف جملة فعليه على جملة اسمية، ويجوز أن يكون " يريكم " صفة لموصوف محذوف: أي ومن آياته آية يريكم بها وفيها البرق، وقيل التقدير: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا من آياته. قال الزجاج: فيكون من عطف جملة على جملة. قال قتادة: خوفا للمسافر وطمعا للمقيم. وقال الضحاك: خوفا من الصواعق وطمعا في الغيث. وقال يحيى بن سلام:
خوفا من البرد أن يهلك الزرع، وطمعا في المطر أن يحيي الزرع. وقال ابن بحر: خوفا أن يكون البرق برقا خلبا لا يمطر، وطمعا أن يكون ممطرا، وأنشد:
لا يكن برقك برقا خلبا * إن خير البرق ما الغيث معه وانتصاب خوفا وطمعا على العلة (وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها) أي يحييها بالنبات بعد موتها باليباس (إن ذلك لآيات لقوم يعقلون) فإن من له نصيب من العقل يعلم أن ذلك آية يستدل بها على القدرة الباهرة (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) أي قيامهما واستمساكهما بإرادته سبحانه وقدرته بلا عمد يعمد هما، ولا مستقر يستقران عليه. قال الفراء: يقول أن تدوما قائمتين بأمره (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) أي ثم بعد موتكم ومصيركم في القبور إذا دعاكم دعوة واحدة فاجأتم الخروج منها بسرعة من غير تلبث ولا توقف، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع. ومن الأرض متعلق بدعا: أي دعاكم من الأرض التي أنتم فيها، كما يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي، أو متعلق بمحذوف هو صفة لدعوة، أو متعلق بمحذوف يدل عليه تخرجون: أي خرجتم من الأرض، ولا يجوز أن يتعلق بتخرجون، لأن ما بعد إذ لا يعمل فيما قبلها، وهذه الدعوة هي نفخة إسرافيل الآخرة في الصور على ما تقدم بيانه، وقد أجمع القراء على فتح التاء في " تخرجون " هنا، وغلط من قال إنه قرئ هنا بضمها على البناء للمفعول، وإنما قرئ بضمها في الأعراف (وله من في السماوات والأرض) من جميع المخلوقات ملكا وتصرفا وخلقا، ليس لغيره في ذلك شئ (كل له قانتون) أي مطيعون طاعة انقياد، وقيل مقرون بالعبودية، وقيل مصلون، وقيل قائمون يوم القيامة كقوله