ثم أمرهم سبحانه بالتقوى بعد أمرهم بالإنابة فقال (واتقوه) أي باجتناب معاصيه وهو معطوف على الفعل المقدر ناصبا لمنيبين (وأقيموا الصلاة) التي أمرتم بها (ولا تكونوا من المشركين) بالله. وقوله (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) هو بدل مما قبله بإعادة الجار، والشيع الفرق: أي لا تكونوا من الذين تفرقوا فرقا في الدين يشايع بعضهم بعضا من أهل البدع والأهواء. وقيل المراد بالذين فرقوا دينهم شيعا اليهود والنصارى. وقرأ حمزة والكسائي " فارقوا دينهم " ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب: أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد.
وقد تقدم تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنعام (كل حزب بما لديهم فرحون) أي كل فريق بما لديهم من الدين المبني على غير الصواب مسرورون مبتهجون يظنون أنهم على الحق وليس بأيديهم منه شئ. وقال الفراء: يجوز أن يكون قوله " من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " مستأنفا كما يجوز أن يكون متصلا بما قبله (وإذا مس الناس ضر) أي قحط وشدة (دعوا ربهم) أن يرفع ذلك عنهم واستغاثوا به (منيبين إليه) أي راجعين إليه ملتجئين به لا يعولون على غيره، وقيل مقبلين عليه بكل قلوبهم (ثم إذا أذاقهم منه رحمة) بإجابة دعائهم ورفع تلك الشدائد عنهم (إذا فريق منهم بربهم يشركون) إذا هي الفجائية وقعت جواب الشرط لأنها كالفاء في إفادة التعقيب: أي فاجأ فريق منهم الإشراك وهم الذين دعوه فخلصهم مما كانوا فيه. وهذا الكلام مسوق للتعجيب من أحوالهم وما صاروا عليه من الاعتراف بوحدانية الله سبحانه عند نزول الشدائد والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم، واللام في (ليكفروا بما آتيناهم) هي لام كي، وقيل لام الأمر لقصد الوعيد والتهديد، وقيل هي لام العاقبة. ثم خاطب سبحانه هؤلاء الذين وقع منهم ما وقع فقال (فتمتعوا فسوف تعلمون) ما يتعقب هذا التمتع الزائل من العذاب الأليم.
قرأ الجمهور " فتمتعوا " على الخطاب. وقرأ أبو العالية بالتحتية على البناء للمفعول، وفي مصحف ابن مسعود " فليتمتعوا " (أم أنزلنا عليهم سلطانا) أم هي المنقطعة، والاستفهام للإنكار والسلطان الحجة الظاهرة (فهو يتكلم) أي يدل كما في قوله - هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق - قال الفراء: إن العرب تؤنث السلطان، يقولون: قضت به عليك السلطان. فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح، وبه جاء القرآن، والتأنيث عندهم جائز لأنه بمعنى الحجة، وقيل المراد بالسلطان هنا الملك (بما كانوا به يشركون) أي ينطق بإشراكهم بالله سبحانه، ويجوز أن تكون الباء سببية: أي بالأمر الذي بسببه يشركون (وإذا أذقنا الناس رحمة) أي خصبا ونعمة وسعة وعافية (فرحوا بها) فرح بطر وأشر، لا فرح شكر بها وابتهاج بوصولها إليهم - قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا - ثم قال سبحانه (وإن تصبهم سيئة) شدة على أي صفة (بما قدمت أيديهم) أي بسبب ذنوبهم (إذا هم يقنطون) القنوط الإياس من الرحمة، كذا قال الجمهور. وقال الحسن: القنوط ترك فرائض الله سبحانه. قرأ الجمهور " يقنطون " بضم النون.
وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسرها (أو لم يروا أن الله يبسط الزرق لمن يشاء) من عباده ويوسع له (ويقدر) أي يضيق على من يشاء لمصلحة في التوسيع لمن وسع له وفي التضييق على من ضيق عليه (إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون) فيستدلون على الحق لدلالتها على كمال القدرة وبديع الصنع وغريب الخلق.
وقد أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، فأنزل الله (هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء) الآية. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال هي في الآلهة، وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (لا تبديل لخلق الله) قال: دين الله (ذلك الدين القيم) قال: القضاء القيم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن الأسود بن سريع " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث