- يوم يقوم الناس لرب العالمين -: أي للحساب، وقيل بالشهادة أنهم عباده، وقيل مخلصون (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) بعد الموت فيحييه الحياة الدائمة (وهو أهون عليه) أي هين عليه لا يستصعبه، أو أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم وعلى ما يقوله بعضكم لبعض، وإلا فلا شئ في قدرته بعضه أهون من بعض، بل كل الأشياء مستوية يوجدها بقوله كن فتكون. قال أبو عبيد: من جعل أهون عبارة عن تفضيل شئ على شئ فقوله مردود بقوله - وكان ذلك على الله يسيرا - وبقوله - ولا يؤده حفظهما - والعرب تحمل أفعل على فاعل كثيرا كما في قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول أي عزيزة طويلة، وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب على ذلك:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد أي لست بواحد، ومثله قول الآخر:
لعمرك إن الزبرقان لباذل * لمعروفه عند السنين وأفضل أي وفاضل، وقرأ عبد الله بن مسعود " وهو عليه هين " وقال مجاهد وعكرمة والضحاك: إن الإعادة أهون عليه:
أي على الله من البداية: أي أيسر وإن كان جميعه هينا. وقيل المراد أن الإعادة فيما بين الخلق أهون من البداية، وقيل الضمير في عليه للخلق: أي هو أهون على الخلق لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ويقال لهم كونوا فيكونون، فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخر النشأة (وله المثل الأعلى) قال الخليل:
المثل الصفة: أي وله الوصف الأعلى (في السماوات والأرض) كما قال - مثل الجنة التي وعد المتقون - أي صفتها.
وقال مجاهد: المثل الأعلى قول لا إله إلا الله، وبه قال قتادة. وقال الزجاج (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) أي قوله " وهو أهون عليه " قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل. وقيل المثل الأعلى هو أنه ليس كمثله شئ، وقيل هو أن ما أراده كان بقول كن، وفي السماوات والأرض متعلق بمضمون الجملة المتقدمة.
والمعنى: أنه سبحانه عرف بالمثل الأعلى، ووصف به في السماوات والأرض، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى، أو من المثل، أو من الضمير في الأعلى (وهو العزيز) في ملكه القادر الذي لا يغالب (الحكيم) في أقواله وأفعاله.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (يبلس) قال: يبتئس. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (يبلس) قال: يكتئب، وعنه الإبلاس: الفضيحة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (يحبرون) قال: يكرمون. وأخرج الديلمي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا كان يوم القيامة قال الله: أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم، فيميزون في كثب المسك والعنبر، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم من تسبيحي وتحميدي وتهليلي، قال: فيسبحون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط ". وأخرج الدينوري في المجالسة عن مجاهد قال: ينادي مناد يوم القيامة فذكر نحوه، ولم يسم من رواه له عن رسول الله. وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن المنكدر نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة، قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال " في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام، فيخرج أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها، فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك