* نقرعه قرعا ولسنا نعتله * ومنه قول الفرزدق يهجو جريرا: * حتى ترد إلى عطية تعتل * قرأ الجمهور " فاعتلوه " بكسر التاء. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضمها، وهما لغتان (إلى سواء الجحيم) أي إلى وسطه، كقوله " فرآه في سواء الجحيم " (ثم صبوا فوق رأسه عذاب الحميم) من هي التبعيضية: أي صبوا فوق رأسه بعض هذا النوع، وإضافة العذاب إلى الحميم للبيان: أي عذاب هو الحميم، وهو الماء الشديد الحرارة كما تقدم (ذق إنك أنت العزيز الكريم) أي وقولوا له تهكما وتقريعا وتوبيخا: ذق إنك أنت العزيز الكريم. وقيل إن أبا جهل كان يزعم أنه أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقولون له: ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقوله. قرأ الجمهور " إنك " بكسر الهمزة، وقرأ الكسائي وروي ذلك عن علي بفتحها أي لأنك. قال الفراء: أي بهذا القول الذي قلته في الدنيا، والإشارة بقوله (إن هذا) إلى العذاب (ما كنتم به تمترون) أي تشكون فيه حين كنتم في الدنيا، والجمع باعتبار جنس الأثيم. ثم ذكر سبحانه مستقر المتقين فقال (إن المتقين في مقام أمين) أي الذين اتقوا الكفر والمعاصي. قرأ الجمهور " مقام " بفتح الميم، وقرأ نافع وابن عامر بضمها. فعلى القراءة الأولى هو موضع القيام، وعلى القراءة الثانية هو موضع الإقامة قال الكسائي وغيره. وقال الجوهري: قد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام. ثم وصف المقام بأنه أمين يأمن صاحبه من جميع المخاوف (في جنات وعيون) بدل من مقام أمين، أو بيان له، أو خبر ثان (يلبسون من سندس وإستبرق) خبر ثان أو ثالث أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور، والسندس مارق من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه، وقد تقدم بيانه في سورة الكهف، وانتصاب (متقابلين) على الحال من فاعل يلبسون: أي متقابلين في مجالسهم ينظر بعضهم إلى بعض، والكاف في قوله (كذلك) إما نعت مصدر محذوف:
أي نفعل بالمتقين فعلا كذلك. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف: أي الأمر كذلك (وزوجناهم بحور عين) أي أكرمناهم بأن زوجناهم بحور عين، والحور جمع حوراء: وهي البيضاء، والعين جمع عيناء: وهي الواسعة العينين.
وقال مجاهد: إنما سميت الحوراء حوراء، لأنه يحار الطرف في حسنها، وقيل هو من حور العين: وهو شدة بياض العين في شدة سوادها كذا قال أبو عبيدة. وقال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين. قال أبو عمرو:
الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر، قال: وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور، لأنهن شبهن بالظباء والبقر. قيل والمراد بقوله (زوجناهم) قرناهم وليس من عقد التزويج، لأنه لا يقال زوجته بامرأة. وقال أبو عبيدة: وجعلناهم أزواجا لهن كما يزوج البعل بالبعل: أي جعلناهم اثنين اثنين، وكذا قال الأخفش (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) أي يأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه حال كونهم آمنين من التختم والأسقام والآلام. قال قتادة: آمنين من الموت والوصب والشيطان، وقيل من انقطاع ما هم فيه من النعيم (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) أي لا يموتون فيها أبدا إلا الموتة التي ذاقوها في الدنيا، والاستثناء منقطع:
أي لكن الموتة التي قد ذاقوها في الدنيا كذا قال الزجاج والفراء وغيرهما، ومثل هذه الآية قوله - ولا تنكحوا ما نكح آباءكم من النساء إلا ما قد سلف - وقيل إن إلا بمعنى بعد، كقولك: ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك: أي بعد رجل عندك، وقيل هي بمعنى سوى: أي سوى الموتة الأولى. وقال ابن قتيبة: إنما استثنى الموتة الأولى وهي الدنيا، لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان، ويرون منازلهم من الجنة، وتفتح لهم أبوابها، فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لاتصالهم