دخولكم فيه، وكذا قال أبو عبيد: وبه قال مجاهد وغيره. قال ابن عرفة: وهما يرجعان إلى معنى واحد، وإن اختلف لفظاهما، لأن البحر إذا سكن جريه انفرج. قال الهروي: ويجوز أن يكون رهوا نعتا لموسى: أي سر ساكنا على هيئتك. وقال كعب والحسن رهوا طريقا. وقال الضحاك: والربيع سهلا. وقال عكرمة: يبسا كقوله - فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا - وعلى كل تقدير، فالمعنى التركة ذا رهو أو اتركه رهوا على المبالغة في الوصف بالمصدر (إنهم جند مغرقون) أي إن فرعون وقومه مغرقون. أخبر سبحانه موسى بذلك ليسكن قلبه ويطمئن جأشه.
قرأ الجمهور بكسر إن على الاستئناف لقصد الإخبار بذلك، وقرئ بالفتح على تقدير لأنهم (كم) هي الخبرية المفيدة للتكثير، وقد مضى الكلام في معنى الآية في سورة الشعراء. قرأ الجمهور (ومقام) بفتح الميم على أنه اسم مكان للقيام، وقرأ ابن هرمز وقتادة وابن السميفع، وروي عن نافع بضمها اسم مكان الإقامة (ونعمة كانوا فيها فاكهين) النعمة بالفتح التنعم: يقال نعمه الله وناعمه فتنعم، وبالكسر المنة، وما أنعم به عليك، وفلان واسع النعمة: أي واسع المال ذكر معنى هذا الجوهري. قرأ الجمهور " فاكهين " بالألف. وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الأشهب والأعرج وأبو جعفر وشيبة " فكهين " بغير ألف، والمعنى على القراءة الأولى: متنعمين طيبة أنفسهم وعلى القراء الثانية: أشرين بطرين. قال الجوهري: فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا، والفكه أيضا: الأشر البطر. قال: وفاكهين: أي ناعمين. وقال الثعلبي: هما لغتان كالحاذر والحذر والفاره والفره. وقيل إن الفاكهة: هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الرجل بأنواع الفاكهة (كذلك وأورثناها قوما آخرين) الكاف في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف. قال الزجاج: أي الأمر كذلك، ويجوز أن تكون في محل نصب، والإشارة إلى مصدر فعل يدل عليه تركوا: أي مثل ذلك السلب سلبناهم إياها، وقيل مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها وقيل مثل ذلك الإهلاك أهلكناهم. فعلى الوجه الأول يكون قوله " وأورثناها " معطوفا على " تركوا " وعلى الوجوه الآخرة يكون معطوفا على الفعل المقدر. والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل، فإن الله سبحانه ملكهم أرض مصر بعد إن كانوا فيها مستعبدين، فصاروا لها وارثين: أي أنها وصلت إليهم كما يصل الميراث إلى الوارث، ومثل هذا قوله: - وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها - (فما بكت عليهم السماء والأرض) هذا بيان لعدم الاكتراث بهلاكهم. قال المفسرون: أي إنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم به ولم يصعد لهم إلى السماء عمل طيب يبكى عليهم به، والمعنى: أنه لم يصب بفقدهم وهلاكهم أحد من أهل السماء ولا من أهل السماء ولا من أهل الأرض، وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء والأرض: أي عمت مصيبته، ومن ذلك قول جرير:
لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع ومنه قول النابغة: بكى حارث الحولان من فقد ربه * وحوران منه خاشع متضائل وقال الحسن: في الكلام مضاف محذوف: أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة والناس. وقال مجاهد: إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا، وقيل إنه يبكي على المؤمن مواضع صلاته ومصاعد عمله (وما كانوا منظرين) أي ممهلين إلى وقت آخر بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم وشدة عنادهم (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) أي خلصناهم بإهلاك عدوهم مما كانوا فيه من الاستعباد، وقتل الأبناء واستحياء النساء وتكليفهم للأعمال الشاقة، وقوله (من فرعون) بدل من العذاب إما على حذف مضاف: أي من