من تلق منهم ثقل لاقيت سيدهم * مثل النجوم التي يسرى بها الساري (وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) أي بسبب تكذيبهم بتلك الآيات، والعذاب هو المذكور في قوله - ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات - الآية، وبين سبحانه أن العلة في أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم، ولما عاينوا ما جاءهم به من الآيات البينات والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر (وقالوا يا أيه الساحر) وكانوا يسمون العلماء سحرة ويوقرون السحرة ويعظمونهم ولم يكن السحر صفة ذم عندهم.
قال الزجاج: خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر (ادع لنا ربك بما عهد عندك) أي بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب، وقيل المراد بالعهد النبوة، وقيل استجابة الدعوة على العموم (إننا لمهتدون) أي إذا كشف عنا العذاب الذي بنا فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان، ومؤمنون بما جئت به (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) في الكلام حذف، والتقدير: فدعا موسى ربه فكشف عنهم العذاب، فلما كشف عنهم العذاب فاجئوا وقت نكثهم للعهد الذي جعلوه على أنفسهم من الاهتداء، والنكث: النقض (ونادى فرعون في قومه) قيل لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى، فجمعهم ونادى بصوته فيما بينهم أو أمر مناديا ينادي بقوله (يا قوم أليس لي ملك مصر) لا ينازعني فيه أحد ولا يخالفني مخالف (وهذه الأنهار تجري من تحتي) أي من تحت قصري، والمراد أنهار النيل. وقال قتادة: المعنى تجري بين يدي. وقال الحسن:
تجري بأمري: أي تجري تحت أمري. وقال الضحاك: أراد بالأنهار القواد والرؤساء والجبابرة وأنهم يسيرون تحت لوائه. وقيل أراد بالأنهار الأموال، والأول أولى. والواو في " وهذه " عاطفة على ملك مصر، و " تجري " في محل نصب علي الحال أو هي واو الحال، واسم الإشارة مبتدأ، والأنهار صفة له، وتجري خبره، والجملة في محل نصب (أفلا تبصرون) ذلك وتستدلون به على قوة ملكي وعظيم قدري وضعف موسى عن مقاومتي (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) أم هي المنقطعة المقدرة ببل التي للإضراب دون الهمزة التي للإنكار: أي بل أنا خير قال أبو عبيدة: أم بمعنى بل، والمعنى: قال فرعون لقومه: بل أنا خير. وقال الفراء: إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وقيل هي زائدة، وحكى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون أم زائدة، والمعنى: أنا خير من هذا. وقال الأخفش: في الكلام حذف، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟
ثم ابتدأ فقال (أنا خير) وروي عن الخليل وسيبويه نحو قول الأخفش، ويؤيد هذا أن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي وقفا على " أم " على تقدير أم تبصرون، فحذف لدلالة الأول عليه، وعلى هذا فتكون أم متصلة لا منقطعة والأول أولى. ومثله قول الشاعر الذي أنشده الفراء:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى * وصورتها أم أنت في العين أملح أي بل أنت. وحكى الفراء أن بعض القراء قرأ " أما أنا خير " أي ألست خيرا من هذا الذي هو مهين: أي ضعيف حقير ممتهن في نفسه لا عز له (ولا يكاد يبين) الكلام لما في لسانه من العقدة، وقد تقدم بيانه في سورة طه (فلولا ألقى عليه أساورة من ذهب) أي فهلا حلى بأساورة الذهب إن كان عظيما، وكان الرجل فيهم إذا سودوه سوروه بسوار من ذهب، وطوقوه بطوق من ذهب. قرأ الجمهور " أساورة " جمع أسورة جمع سوار. وقال أبو عمر ابن العلاء: واحد الأساورة والأساور والأساوير أسوار، وهي لغة في سوار. وقرأ حفص " أسورة " جمع سوار، وقرأ أبي: أساور، وابن مسعود أساوير. قال مجاهد: كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق