من التفرق والشك، أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع فادع واستقم، أي فأدع إلى الله وإلى توحيده واستقم على ما دعوت إليه. قال الفراء والزجاج: المعنى فإلى ذلك فادع كما تقول: دعوت إلى فلان ولفلان، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد. وقيل في الكلام تقديم وتأخير. والمعنى: كبر على المشركين ما ندعوهم إليه فلذلك فادع. قال قتادة: استقم على أمر الله. وقال سفيان: استقم على القران. وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة (كما أمرت) بذلك من جهة الله (ولا تتبع أهواءهم) الباطلة وتعصباتهم الزائغة، ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في ذكر الله (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) أي بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله، لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض (وأمرت لأعدل بينكم) في أحكام الله إذا ترافعتم إلي، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله أو بنقصان منه، وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو، واللام لام كي: أي أمرت بذلك الذي أمرت به لكي أعدل بينكم، وقيل هي زائدة، والمعنى: أمرت أن أعدل. والأول أولى. قال أبو العالية:
أمرت لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول. والظاهر أن الآية عامة في كل شئ، والمعنى:
أمرت لأعدل بينكم في كل شئ (الله ربنا وربكم) أي إلهنا وإلهكم، وخالقنا وخالقكم (لنا أعمالنا) أي ثوابها وعقابها خاص بنا (ولكم أعمالكم) أي ثوابها وعقابها خاص بكم (لا حجة بيننا وبينكم) أي لا خصومة بيننا وبينكم، لأن الحق قد ظهر ووضح (الله يجمع بيننا) في المحشر (وإليه المصير) أي المرجع يوم القيامة فيجازي كلا بعمله: وهذا منسوخ بآية السيف. قيل الخطاب لليهود، وقيل للكفار على العموم (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له) أي يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه. قال مجاهد: من بعد ما أسلم الناس. قال: وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود. وقال قتادة: هم اليهود والنصارى ومحاجتهم قولهم: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل كتاب وأنهم أولاد الأنبياء، وكان المشركون يقولون - أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا -؟ فنزلت هذه الآية، والموصول مبتدأ، وخبره الجملة بعده وهي (حجتهم داحضة عند ربهم) أي لا ثبات لها كالشئ الذي يزول عن موضعه، يقال:
دحضت حجته دحوضا: بطلت، والإدحاض: الإزلاق، ومكان دحض: أي زلق، ودحضت رجله:
زلقت. وقيل الضمير في له راجع إلى الله. وقيل راجع إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. والأول أولى (وعليهم غضب) أي غضب عظيم من الله لمجادلتهم بالباطل (ولهم عذاب شديد) في الآخرة (الله الذي أنزل الكتاب بالحق) المراد بالكتاب: الجنس فيشمل جميع الكتب المنزلة على الرسل. وقيل المراد به القران خاصة، وبالحق متعلق بمحذوف: أي ملتبسا بالحق وهو الصدق (و) المراد ب (الميزان) العدل، كذا قال أكثر المفسرين، قالوا وسمى العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق. وقيل: الميزان ما بين في الكتب المنزلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به. وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب، وعلى المعصية بالعقاب. وقيل إنه الميزان نفسه أنزله الله من السماء وعلم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس كما في قوله - لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط - وقيل هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم (وما يدريك لعل الساعة قريب) أي أي شئ يجعلك داريا بها، عالما بوقتها لعلها شئ قريب أو قريب مجيئها أو ذات قرب. وقال قريب ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي. قال الزجاج: المعنى لعل البعث أو لعل مجيء الساعة قريب. وقال الكسائي:
قريب نعت ينعت به المؤنث والمذكر كما في قوله - إن رحمة الله قريب من المحسنين -. ومنه قول الشاعر:
وكنا قريبا والديار بعيدة * فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا