ما أعلمكم إلا ما أعلم، والرؤية هنا هي القلبية لا البصرية، والمفعول الثاني هو إلا ما أرى (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) أي ما أهديكم بهذا الرأي إلا طريق الحق. قرأ الجمهور " الرشاد " بتخفيف الشين، وقرأ معاذ بن جبل بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضراب. وقال النحاس: هي لحن، ولا وجه لذلك.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) قال: لم يكن في آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال - إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك - قال ابن المنذر: أخبرت أن اسمه حزقيل. وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال: اسمه حبيب. وأخرج البخاري وغيره عن طريق عروة قال: قيل لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنا بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم). وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة والبزار عن علي بن أبي طالب أنه قال: أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا أنت. قال: أما أني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا لا نعلم فمن؟ قال أبو بكر، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذته قريش، فهذا يجنبه وهذا يتلتله، وهم يقولون أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا، قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجيء هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم رفع بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبون؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون، وذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.