لتنزيهه سبحانه عما وقع منهم من ترك الشكر لنعمه المذكورة والتعجب من إخلالهم بذلك، وقد تقدم الكلام مستوفى في معنى سبحان، وهو في تقدير الأمر للعباد بأن ينزهوه عما لا يليق به، والأزواج: الأنواع والأصناف، لأن كل صنف مختلف الألوان والطعوم والأشكال، و (مما تنبت الأرض) بيان للأزواج، والمراد كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها (ومن أنفسهم) أي خلق الأزواج من أنفسهم، وهم الذكور والإناث (ومما لا يعلمون) من أصناف خلقه في البر والبحر والسماء والأرض (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) الكلام في هذا كما قدمنا في قوله - وآية لهم الأرض الميتة أحييناها - والمعنى: أن ذلك علامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب إلهيته، والسلخ: الكشط والنزع، يقال سلخه الله من بدنه، ثم يستعمل بمعنى الإخراج، فجعل سبحانه ذهاب الضوء ومجئ الظلمة كالسلخ من الشئ، وهو استعارة بليغة (فإذا هم مظلمون) أي داخلون في الظلام مفاجأة وبغتة، يقال أظلمنا: أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر، وكذلك أصبحنا وأمسينا، وقيل " منه " بمعنى عنه، والمعنى: نسلخ عنه ضياء النهار. قال الفراء: يرمي بالنهار على الليل فيأتي بالظلمة، وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليه، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل: أي كشط وأزيل فتظهر الظلمة (والشمس تجري لمستقر لها) يحتمل أن تكون الواو للعطف على الليل، والتقدير: وآية لهم الشمس، ويجوز أن تكون الواو ابتدائية، والشمس مبتدأ، وما بعدها الخبر، ويكون الكلام مستأنفا مشتملا على ذكر آية مستقلة. قيل وفي الكلام حذف، والتقدير: تجرى لمجرى مستقر لها، فتكون اللام للعلة: أي لأجل مستقر لها، وقيل اللام بمعنى إلى وقد قرئ بذلك. قيل والمراد بالمستقر: يوم القيامة، فعنده تستقر ولا يبقى لها حركة، وقيل مستقرها هو أبعد ما تنتهي إليه ولا تجاوزه، وقيل نهاية ارتفاعها في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء، وقيل مستقرها تحت العرش، لأنها تذهب إلى هنالك فتسجد، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وهذا هو الراجح. وقال الحسن: إن للشمس في السنة ثلاثمائة وستين مطلعا تنزل في كل يوم مطلعا ثم لا تنزل إلى الحول، فهي تجري في تلك المنازل، وهو مستقرها، وقيل غير ذلك. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وزين العابدين وابنه الباقر والصادق بن الباقر " لا مستقر لها " بلا التي لنفي الجنس، وبناء مستقر على الفتح. وقرأ ابن أبي عبلة: لا مستقر بلا التي بمعنى ليس، ومستقر اسمها، ولها خبرها، والإشارة بقوله (ذلك) إلى جري الشمس: أي ذلك الجري (تقدير العزيز) أي الغالب القاهر (العليم): أي المحيط علمه بكل شئ، ويحتمل أن تكون الإشارة راجعة إلى المستقر: أي ذلك المستقر: تقدير الله (والقمر قدرناه منازل). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو برفع القمر على الابتداء. وقرأ الباقون بالنصب على الاشتغال، وانتصاب منازل على أنه مفعول ثان، لأن قدرنا بمعنى صيرنا، ويجوز أن يكون منتصبا على الحال: أي قدرنا سيره حال كونه ذا منازل، ويجوز أن يكون منتصبا على الظرفية: أي في منازل. واختار أبو عبيد النصب في القمر، قال: لأن قبله فعلا وهو نسلخ، وبعده فعلا وهو قدرنا. قال النحاس: أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال. منهم الفراء قال: الرفع أعجب إلي، قال: وإنما كان الرفع عندهم أولى لأنه معطوف على ما قبله، ومعناه: وآية لهم القمر. قال أبو حاتم: الرفع أولى، لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالابتداء، والمنازل: هي الثمانية والعشرون التي ينزل القمر في كل ليلة في واحد منها وهي معروفة وسيأتي ذكرها، فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها، فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة، ثم يستتر ليلتين، ثم يطلع هلالا، فيعود في قطع تلك المنازل من الفلك (حتى عاد كالعرجون القديم) قال الزجاج: العرجون هو عود العذق الذي فيه الشماريخ، وهو فعلون من الانعراج، وهو الانعطاف:
(٣٦٩)