أي من تحت الغرف (خالدين فيها) أي في الغرف لا يموتون أبدا، أو في الجنة، والأول أولى (نعم أجر العاملين) المخصوص بالمدح محذوف: أي نعم أجر العاملين أجرهم، والمعنى: العاملين للأعمال الصالحة. ثم وصف هؤلاء العاملين فقال (الذين صبروا) على مشاق التكليف وعلى أذية المشركين لهم، ويجوز أن يكون منصوبا على المدح (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوضون أمورهم إليه في كل إقدام وإحجام. ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل، وهو النظر في حال الدواب فقال (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) فقد تقدم الكلام في كأين، وأن أصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى كم كما صرح به الخليل وسيبويه، وتقديرها عندهما كشئ كثير من العدد من دابة. وقيل المعنى: وكم من دابة. ومعنى " لا تحمل رزقها " لا تطيق حمل رزقها لضعفها ولا تدخره، وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم فكيف لا يتوكلون على الله مع قوتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها. قال الحسن: تأكل لوقتها، لا تدخر شيئا. قال مجاهد:
يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئا (وهو السميع) الذي يسمع كل مسموع (العليم) بكل معلوم.
ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم وعجب السامع من كونهم يقرون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) أي خلقها، لا يقدرون على إنكار ذلك، ولا يتمكنون من جحوده (فأنى يؤفكون) أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده بالإلهية، وأنه وحده لا شريك له، والاستفهام للإنكار والاستبعاد. ولما قال المشركون لبعض المؤمنين: لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء دفع سبحانه ذلك بقوله (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بحال عباده من القبض والبسط، ولهذا قال (إن الله بكل شئ عليم) يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) أي نزله وأحيا به الأرض الله،: يعترفون بذلك لا يجدون إلى إنكاره سبيلا. ثم لما اعترفوا هذا الاعتراف في هذه الآيات، وهو يقتضي بطلان ما هم عليه من الشرك وعدم إفراد الله سبحانه بالعبادة، أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمد الله على إقرارهم وعدم جحودهم مع تصلبهم في العناد وتشددهم في رد كل ما جاء به رسول الله من التوحيد فقال (قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) أي احمد الله على أن جعل الحق معك، وأظهر حجرك عليهم، ثم ذمهم فقال (بل أكثرهم لا يعقلون) الأشياء التي يتعقلها العقلاء. فلذلك لا يعملون بمقتضى ما عترفوا به مما يستلزم بطلان ما هم عليه عند كل عاقل. ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وأنها من جنس اللعب واللهو: وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة فقال (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولهب) من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان). قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة. قال الواحدي: وهو قول جميع المفسرين ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة، وأنه مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنزوان والغليان ويكون التقدير: وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان، أو ذات الحيوان: أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا ينغصها موت ولا مرض، ولا هم ولا غم (لو كانوا يعلمون) شيئا من العلم لما آثروا عليها الدار الفانية المنغصة. ثم بين سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلا مجرد تأثير الحياة فقال (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) أي إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة، فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين بصدق نياتهم، وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه (فلما نجاهم