كان جالسا عند ابن عمر فجاء أبو هريرة فقال له لم ترد على حديثي فوالله لقد كنت انا وأنت في بيت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منها أهلها خير ما كنت فقال ابن عمر أجل ولكن لم يقل خير ما كانت انما قال أعمر ما كانت ولو قال خير ما كانت لكان ذلك وهو حي وأصحابه فقال أبو هريرة صدقت والذي نفسي بيده وروى مسلم من حديث حذيفة انه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يخرج أهل المدينة من المدينة ولعمر بن شبة من حديث أبي هريرة قيل يا أبا هريرة من يخرجهم قال أمراء السوء * الحديث الثاني (قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير أخوه وفى الاسناد صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي لان هشاما قد لقى بعض الصحابة (قوله عن سفيان بن أبي زهير) كذا للأكثر ورواه حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه كذلك وقال في آخره قال عروة ثم لقيت سفيان بن أبي زهير عند موته فأخبرني بهذا الحديث وذكر علي بن المديني انه اختلف فيه على هشام اختلافا آخر فقال وهيب وجماعة كما قال مالك وقال ابن عيينة عن هشام بسنده عن سفيان بن الغوث وقال أبو معاوية عن هشام بسنده عن سفيان بن عبد الله الثقفي قلت قد رواه الحميدي عن سفيان على الصواب ورواه أبو خيثمة عن جرير فقال سفيان بن أبي قلابة كأنه عرف خطا جرير فكنى عنه واسم أبى زهير القرد بفتح القاف وكسر الراء بعدها مهملة وقيل نمير وهو الشنوئي من أزد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة مفتوحة وفى النسب كذلك وقيل بفتح النون بعدها همزة مكسورة بلا واو وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن مالك بن نضر بن الأزد وسمى شنوءة لشنآن كان بينه وبين قومه (قوله تفتح اليمن) قال ابن عبد البر وغيره افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفى أيام أبى بكر وافتتحت الشام بعدها والعراق بعدها وفى هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترتيبه ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم وفى هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلا على غيرها وانما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة (قوله يبسون) بفتح أوله وضم الموحدة وبكسرها من بس يبس قال ابن عبد البر في رواية يحيى بن يحيى بكسر الموحدة وقيل إن ابن القاسم رواه بضمها قال أبو عبيد معناه يسوقون دوابهم والبس سوق الإبل تقول بس بس عند السوق وإرادة السرعة وقال الداودي معناه يزجرون دوابهم فيبسون ما يطأونه من الأرض من شدة السير فيصير غبارا قال تعالى وبست الجبال بسا أي سالت سيلا وقيل معناه سارت سيرا وقال ابن القاسم البس المبالغة في الفت ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن بسيس وأنكر ذلك النووي وقال إنه ضعيف أو باطل قال ابن عبد البر وقيل معنى يبسون يسألون عن البلاد ويستقرأون أخبارها ليسيروا إليها قال وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة وقيل معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها ويشهد لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وعلى هذا فالذين يتحملون غير الذين يبسون كأن الذي حضر الفتح أعجبه حسن البلد ورخاؤها فدعا قريبه إلى المجئ إليها لذلك فيتحمل المدعو باهله وأتباعه
(٧٩)