لقد علم قومي) أي قريش أو المسلمون (قوله حرفتي) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي جهة اكتسابي والحرفة جهة الاكتساب والتصرف في المعاش وأشار بذلك إلى أنه كان كسوبا لمؤنته ومؤنة عياله بالتجارة من غير عجز تمهيدا على سبيل الاعتذار عما يأخذه من مال المسلمين إذا احتاج إليه (قوله وشغلت) جملة حالية أي ان القيام بأمور الخلافة شغله عن الاحتراف وقد روى ابن سعد وابن المنذر باسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الامارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي قالت فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبى كان يحمل صبيانه وناضح كان يسقى بستانا له فبعثنا بهما إلى عمر فقال رحمة الله على أبى بكر لقد أتعب من بعده وأخرج ابن سعد من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحوه وزاد ان الخادم كان صيقلا يعمل سيوف المسلمين ويخدم آل أبي بكر ومن طريق ثابت عن أنس نحوه وفيه قد كنت حريصا على أن أوفر مال المسلمين وقد كنت أصبت من اللحم واللبن وفيه وما كان عنده دينار ولا درهم ما كان الا خادم ولقحة ومحلب (قوله آل أبي بكر) أي هو نفسه ومن تلزمه نفقته وقيل أراد نفسه بدليل قوله احترف حكاه الطيبى قال ويدل عليه نسق الكلام لأنه أسند الاحتراف إلى ضمير المتكلم عاطفا له على فسيأكل فلو كان المراد الأهل لتنافر انتهى وجزم البيضاوي بان قوله آل أبي بكر عدول عن المتكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات قال وقيل أراد نفسه والأول مقحم لقوله واحترف وليس بشئ بل المعنى أنى كنت أكتسب لهم ما يأكلونه والآن أكتسب للمسلمين قال الطيبى فائدة الالتفات انه جرد من نفسه شخصا كسوبا لمؤنة الأهل بالتجارة فامتنع لشغله بأمر المسلمين عن الاكتساب وفيه اشعار بالعلة وان من اتصف بالشغل المذكور حقيق ان يأكل هو وعياله من بيت المال وخص الاكل من بين الاحتياجات لكونه أهمها ومعظمها قال ابن التين وفيه دليل على أن للعامل أن يأخذ من عرض المال الذي يعمل فيه قدر حاجته إذا لم يكن فوقه امام يقطع له أجرة معلومة وسبقه إلى ذلك الخطابي (قلت) لكن في قصة أبى بكر ان القدر الذي كان يتناوله فرض له باتفاق من الصحابة فروى ابن سعد باسناد مرسل رجاله ثقات قال لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقال كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالوا نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة (قوله وأحترف) في رواية الكشميهني ويحترف قال ابن الأثير أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتمييز مكاسبهم وارزاقهم وكذا قال البيضاوي المعنى أكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعي في مصالحهم ونظم أحوالهم وقال غيره يقال احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر وقال المهلب قوله أحترف لهم أي أتجر لهم في مالهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما آكل أو أكثر وليس بواجب على الامام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته الا ان يطوع بذلك كما تطوع أبو بكر (قلت) والتوجيه الذي ذكره ابن الأثير أوجه لان أبا بكر بين السبب في ترك الاحتراف وهو الاشتغال بالامارة فمتى يتفرغ للاحتراف لغيره إذ لو كان يمكنه الاحتراف لأحترف لنفسه كما كان الا ان يحمل على أنه كان يعطى المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين وقد روى الإسماعيلي في حديث الباب من طرق معمر عن الزهري فلما استخلف عمر أكل هو وأهله من
(٢٥٨)