ولكن مع ذلك كله يمكن توجيه ما ذكره في الشرائع بأن لفظ " أحلت " يحتمل فيه أن يكون بمعنى الحوالة التي عبارة عن تحويل ما في ذمته إلى ذمة غيره، ويحتمل أن يكون المراد منه تحويل حق المطالبة عمن هو مديون له إلى آخر، فيكون نائبا عنه في المطالبة فقط، لا أن ذمة المديون تشتغل للمحتال، فإذا كان اللفظ متحملا لمعنيين، فتعين أحدهما يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام، فيكون مجملا، فالمرجع هي الأصول العملية، ومقتضاها هو سماع قول المحتال، لأصالة بقاء الحقين، أي حق المحيل على المحال عليه، وحق المحتال على المحيل.
ويمكن أيضا أن يقال: بأن الحوالة الشرعية متضمنة لمعنى الوكالة، أي أذن المالك المحيل في القبض والأخذ عن المحال عليه، غاية الأمر لها خصوصية زائدة وهي أن ماله أخذه عن المحال عليه عبارة عن استيفاء حقه الذي انتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فالقدر المتيقن الذي لا نزاع فيه إنشاء المعنى الأول، أي تحويل حق المطالبة. وأما الخصوصية الزائدة، أي انتقال ما في ذمة المحيل إلى المحال عليه فغير معلوم، وتكون مجرى أصالة العدم.
ولكنك خبير بأن أمثال هذه التوجيهات خلاف ظاهر لفظ " أحلت "، وهذه اللفظة ظاهرة عرفا وشرعا في الحوالة الشرعية التي عبارة عن تحويل ما في ذمته إلى ذمة غيره وقد ذكرنا أن الظاهر حجة وأمارة، ومع وجوده لا تصل النوبة إلى الأصول العملية.
نعم لو لم يكن لفظ " أحلت " في البين، وكان النزاع بينهما بأن يقول الدائن للذي هو مديون له: وكلتني في أخذ مبلغ كذا من زيد الذي هو مديون لك وينكر كون ما ذكره المحيل حوالة، والمحيل المديون لهذا المحتال يدعى أني حولتك بمالك علي على زيد بمالي عليه، فحينئذ لا بأس بأن يقال في مقام تشخيص المدعي والمنكر إن القول قول المحتال، لموافقته للحجة الفعلية التي هي المناط في كونه منكرا، وفي سماع قوله، إذ