في وجهها هل هو عقلي أو سمعي فقال بعضهم انه واجب بالسمع لأنه معلوم من دين محمد صلى الله عليه وآله وقد ذكرنا الدلايل السمعية على وجوبها فقال آخرون بالعقل والأول أقوى لأنها لو وجب بالعقل لما ارتفع معروف ولما وقع منكر وكان الله تعالى محلا بالواجب والثاني يقسمه باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية ان الأمر بالمعروف وهو الحمل على فعل المعروف والنهي عن المنكر وهو المنع منه ولو كانا واجبين بالفعل لكانا واجبين على الله تعالى لان كل واجب عقلي فإنه يجب على كل مكلف من حصل فيه وجه الوجوب ولو وجب على الله تعالى لزم أحد الامرين واما بطلانهما فظاهر اما الثاني فلانه تعالى حكيم لا يجوز عليه الاخلال بالواجب واما الأول فلانه يلزم الالحاح وبني على التكليف لا يقال هذا وزاد عليكم في وجوبهما على المكلف لان الامر هو الحل والنهي هو المنع في اقصائهما الالحانين ما إذا صدرا من مكلف أو من الله تعالى وذلك قول بابطال التكليف لأنا نقول الا نسلم انه يلزم الالحاح ولان منع المكلف لا يقتضي الامتناع أقصى ما في الباب أنه يكون معربا ويجري ذلك مجرى الحدود في اللطيفة ولهذا يقع القبايح مع حصول الانكار وإقامة الحدود. مسألة: واختلف علمائنا في وجوبهما على الأعيان أو على الكفاية فقال السيد المرتضى انهما واجبان على الكفاية وقال الشيخ أبو جعفر رحمه الله انهما واجبان على الأعيان والأول عندي أقوى لنا ان الغرض منهما وقوع المعروف وارتفاع المنكر فمتى حصلا بفعل واحد كان الامر بغيرهما عبث احتج الشيخ رحمه الله بقوله عليه السلام لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر وهو عام والجواب ان الامر قول الكل لكنه يسقط بفعل البعض. مسألة:
وشرايط وجوبها أربعة. أحدهما: ان يعلم المعروف معروفا والمنكر منكرا لنا من الغلط في الانكار والا مراد مع الجهل جاز ان يأمر بالمنكر أو نهى عن معروف ولا خلاف في ذلك. الثاني: ان يجوز تأثر انكاره فلو غلب على ظنه أو علم أنه لا يؤثر لم يجب الأمر بالمعروف ولا نهى عن منكر وقد جعل أصحابنا هذا شرط على الاطلاق والأولى ان يجعل شرطا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان دون القلب ويكون على اشتراط هذين الامرين ما رواه الشيخ عن سعدة بن الصدقة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب هو على الأمة جميعا فقال انما هو على القوى المطاع العالم بالمعروف من المنكر إلا عن الضعيف الذين لا يهتدون سبيلا قال سعدة سمعت أبا عبد الله عليه السلام سال عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله ان أفضل الجهاد كملة عدل عند سلطان جائر معناه قال هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقتل منه وإلا فلا وعن ابن أبي عمير عن يحيى بن الطويل صاحب البصرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فسقط أو جاهل فيعلم فاما صاحب صيف وشرط فلا وعن داود المزني قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا ينبغي للمؤمن ان يذل نفسه قلت له وكيف يذل نفسه قال يتعرض لما لا يطيق. الثالث:
ان يكون المأمور أو المنهي مصرا على الاستمرار فلو ظهرت منه الامارة والامتناع سقط الوجوب لان المقتضي للوجوب قد زال الشرط.
الرابع: أن لا يكون في الانكار مفسدة على الامر ولا على أحد من المؤمنين بطلبه فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب لقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار ولما رواه الشيخ عن مفضل بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي يا مفضل من تعرض لسلطان جائر فاصابه ما يليه لم يؤجر عليها ولم يرزق القر عليها. مسألة: ومراتب الانكار ثلاثة بالقلب واللسان واليد والأول يجب وجوبا مطلقا وهو أول المراتب فإنه إذا علم أن فاعله ينزجر باظهار الكراهية وجب عليه ذلك وكذا لو عرف أنه لا يكفيه ذلك و عرف الاكتفاء بالاعراض عنه والحجر وجب عليه لقول الصادق عليه السلام يقوم من أصحابه قد حق لي ان اخذ البرئ منكم بالسقيم وكيف لا يحق لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى تركه إذا ثبت هذا فإذا انزجر الفاعل بالاعراض والحجر لم يجب الزايد في الانكار لان الغرض عدم الوقوع فإذا حصل اقتصر عليه ولو لم يؤثر انتقل الا نكار باللسان بالعوض و الزجر ويندرج في الانكار باليسير من القول إلى الأصعب روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم قال كان أبو عبد الله عليه السلام إذا امر جماعة يختصمون لا يجوز لهم حتى يقول ثلاثا اتقوا الله يرفع بها صوته ولو لم ينزجر بذلك وافتقر إلى اليد مثل الضرب وما أشبه جاز له ذلك لما رواه الشيخ عن يحيى بن الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما جعل الله عز وجل بسط اللسان وكف اليد ولكن جعلها يبسطان معا ويكفان معا وقول أمير المؤمنين عليه السلام من ترك انكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الاحياء وفي حديث جابر عن أبي عبد الله عليه السلام أنكروا بقلوبكم وابغضوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فان أبغضوا والى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم هنالك فجاهدوهم بأموالكم وبقلوبكم الحديث. مسألة: ولو افتقر إلى الخراج والقتل قال السيد المرتضى رحمه الله يجوز ذلك بغير إذن الإمام وقال الشيخ رحمه الله ظاهر من مذهب شيوخنا الامامية ان هذا الجنس من الانكار لا يكون الا للأئمة أو لمن يأذن له الامام فيه قال رحمه الله وكان المرتضى (ره) يخالف فسي ذلك ويقول يجوز فعل ذلك بغير اذنه لان ما يفعل باذنه يكون مقصودا وهذا بخلاف ذلك لأنه غير مقصود وانما قصده المدافعة والممانعة فان وقع ضرر فهو غير