على ضيق ترجوا انفراجه وفضل عاقبة خير من عذر مخاف بيعته وان تحيط بك من الله طلبه لا يسعك فيها دنياك ولا اخرتك والاجماع وقع على ذلك ولأنه إذا لم يف بها لم يسكن إلى عده وقد يقع الحاجة إلى عقد الهدنة لمصلحة المسلمين فلو لم يجب الوفاء به لم تندفع الحاجة. مسألة: ولو شرع المشركون في نقض العهد لم يحل أمان ان ينقضي الجميع أو البعض فان بعض الجميع العهد وجب قبالهم ونفض عهدهم لقوله تعالى لما استقاموا لكم فان نقض بعضهم دون بعض نظرت فإن كان الباقون أنكروا ما فعله الناقضون بقول أو فعل ظاهر واعتزلوهم وأرسلوا إلى الامام بانا منكرون مما فعلوا وانا مقيمون على العهد كان العهد باقيا في حقه وان سكتوا على ما فعلوا الناقضون ولم يوجد انكار ولا يرى من ذلك كانوا كلهم ناقضين للعهد لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه لما هادن قريشا كانت خزاعة في حزب النبي صلى الله عليه وآله وبنو بكر في حزب قريش فقتل رجل من بني بكر رجلا من خزاعة فسكتت قريش على ذلك فصار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قريش ففتح مكة ولان سكوتهم على ذلك يدل على الرضا به كما لو عقد بعضهم الهدنة مع سكوت الباقين فإنه يكون عقدا لجميعهم لان سكوتهم رضائهم كذلك ههنا إذا ثبت هذا فإن كان النقض من الجميع غزاهم الامام وبينهم و أغار عليهم ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة وان كان بعضهم دون بعض قضى الامام الناقضين دون الباقين على العهدان كانوا متميزين للامام وان كانوا مختلطين أمرهم الامام بالتميز ليأخذ من نقض دون من لم ينقض ولو نقض بعضهم دون بعض ولم يتعينوا له فمن اعترف انه نقض قبله ومن لم يتعرف بذلك لم يقتله وقبل قوله لأنه لا طريق إلى معرفة ذلك الا من قولهم. فرع: لو نقض العهد ثم بانوا عنه قال ابن الجنيد أرى القبول منهم وكذلك فعل معقل بن قيس ببعض بني ناحية وكتب به عمر بن الخطاب إلى أهل رعاس من نجران مسألة: إذا خاف الامام من خيانة المهادنين وعذرهم بسبب أو امارة دلته على ذلك جاز له نقض العهد قال الله تعالى واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن امارة تدل على ما خافة ولا ينقض الهدنة بنشر الخوف بل للامام نقضها وهذا بخلاف الذمي إذا خيف منه الخيانة فان عقد الذمة لا ينتقض بذلك لان عقد الذمة بعقد لحق أهل الكتاب بدليل انه يجب على الامام اجابتهم إليه وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقهم فافترقا ولان عقد الذمة اكد لأنه عقد معاوضة ولأنه مؤيد بخلاف الهدنة والأمان ولهذا لو نقض بعض أهل الذمة وسكت الباقون لم ينتقض عهدهم ولو كان في الهدنة انتقض ولان أهل الذمة قبضه الامام ويجب ولايته ولا يخشى الضرر كثيرا من بعضهم بخلاف أهل الهدنة فان الامام يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير منهم للمسلمين. مسألة: إذا انقضت الهدنة لخوف الامام ونبذ إليهم عهدهم فإنه يردهم إلى مأمنهم ثم يكونون حربا فان كانوا لم يرجوا حقهم جاز قتالهم بعد النبذ إليهم لأنهم في متعتهم كما كانوا قبل العقد وان كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين ردهم الامام إلى مأمنهم لأنهم دخلوا إلى مأمنهم فكان عليه ردهم إليه لأنه لو كان ذلك لكان خيانة من المسلمين والله لا يحب الخائنين إذا ثبت هذا فإذا زال عقد الهدنة نظر فيما زال به فان لم يتضمن وجوب حق عليهم مثل ان يأوي إليهم عينا أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم رده إلى مأمنه ولا شئ عليه وان كان يوجب حقا فإن كان لآدمي كقتل نفس أو اتلاف مال استوفى منه وان كان لله تعالى محضا كحد الزنا أو الشرب أقيم عليه الحد أيضا عندنا خلافا للجمهور وان كان مشرقا كالسرقة أقيم عليه عندنا وللجمهور قولان وسيأتي عملا بالعمومات. مسألة: قد بينا انه ينبغي للامام ان يغزو كل سنة أقل ما يجب وان كان أكثر من ذلك كان أفضل ولا يجوز ترك ذلك أكثر من سنة الا لضرورة منها ان يقل عدد المسلمين ويكثر المشركون فإنه يجوز تأخيره أو متوقع مجئ مدد بتقوى بهم أو يتعذر عليه الماء والعلف في طريقه ويؤخره حتى يتسع أو يرجوا ان يسلم منهم قوم إذا بدا لهم بالقتال لم يسلموا أو لهذا اخر النبي صلى الله عليه وآله قتال قريش بهدنة واخر قتال أشد وطي وغيرهما بلا هدنة فان هادنهم لاخذ المصالح وجب عليه الوفاء له منهم أيضا الوفاء حتى تنقضي المدة فان نقضوا جاز ان نبذ إليه وينقض عهده كما فعل المسلمون باهل نجران لما أكلوا الربا الذي شرط عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله قاله الا يأكلوا الربا وقد روي أن بني قريظة ظاهروا الأحزاب على حزب النبي صلى الله عليه وآله فكان ذلك نقضا منها ونكسا للعهد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبينها استحل به قتالهم وان كانوا لم يقتلوا من أصحابه أحدا وضرب عنق حي بن حاطب منهم وان كعب بن الأشرف لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه منزله وأرسل إلى اليهود ان كنتم تريدون محمدا صلى الله عليه وآله وأصحابه يوما من الدهر فالآن فإنه في منزلي فعجلوا الساعة وأتى جبرئيل عليه السلام بالخبر فخرج وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه قد كفروا بنقض العهد فوجه الله تعالى لمن قتله وقتل ان بني قينقاع كان سبب عذرهم ان امرأة من المسلمين جلست ان صايغ يصوغ لها حليا فلما قامت فكشفت وهي لا تقصد نقضا حكومها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إليهم وحاربهم وكان
(٩٨٠)