أطلق الهدنة ثم جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثم أسلمت فإنه لا يجوز ردها اجماعا لما مضى فان جاء أبوها أو جدها أو أخوها أو عمها أو أحد أنسابها يطالبها لم يدفع إليه لقوله تعالى لا ترجعوهن إلى الكفار ولو طلبت أحدهم مهرها لم يدفع إليه أيضا ولا نعلم فيه خلافا ولو جاء زوجها أو وكيله يطلبها لم يسلم إليه اجماعا للآية وان طلب مهرها ما لم يكن قد سلمه إليها فلا شئ لها بلا خلاف وان كان قد سلمه قال علمائنا يرد إليه ما دفعه وهو أحد قولي الشافعي وفي القول الثاني لا يرد عليه وبه قال المزني وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل لنا قوله تعالى واتوهم ما انفقوا ولان الهدنة يقتضي الكف عن أموالهم وبضع المرأة ملك له فإذا لم يكن رده عليه لاسلامها وجب رد بدله احتجوا بان بضع المراة ليس بمال يدخل في الأمان ولهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه دخل فيه أمواله فلا تدخل فيه زوجته والجواب انه قياس ضعيف وفي مقابلة النص فلا يكون مسموعا خصوصا مع معارضة فعل النبي صلى الله عليه وآله الدال على اعتبار النص في العموم والعمل به فان النبي صلى الله عليه وآله ولا رد مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبية وادعاه النسخ باطل لم يثبت. فروع: الأول: قد بينا انه لو لم يدفع الزوج إليها مهرا لم يكن له المطالبة لشئ لقوله تعالى واتوهم ما انفقوا وهذا لم ينفق وكذا لو لم يسم مهرا. الثاني: لو سمى مهرا فاسدا أو اقبضها إياه كالخمر والخنزير لم يكن له المطالبة به ولا بقيمته لأنه ليس بمال ولا قيمة له في شرعنا. الثالث: قال الشيخ رحمه الله انما يرد إليه ما دفعه لو قدمت إلى بلد الامام أو بلد خليفته ومنع من ردها أما إذا قدمت من غير بلدهما وجب على المسلمين منعه من اخذها لأنه امر معروف فإذا نع غير الامام وغير خليفته من ردها لم يلزم الامام ان يعطيهم شيئا سواء كان المانع من ردها العامة أو رجال الامام لان الذي يعطيه الامام من المصالح ولا تصرف بغير الامام وخليفته فيه فإذا ثبت هذا فيقول الشيخ رحمه الله انه يدفع إليه المهر من سهم المصالح لأنها قهرت الكفار على ما اخذته فملكته بالقهر وانما أوجبنا الرد من سهم المصالح للآية الرابع: إذا اتفقوا في العرس إذا أهدى إليها شيئا أو أكرمها بمشاع لم يجب رده لأنه تطوع به فلا يرد عليه ولان هذا المرفوع ليس ببذل عن البضع الذي حيل بينه وبينه وانما هو هبة محضة فلا يرجع إليه. الخامس: لو قدمت مجنونة نظر فان كانت قد أسلمت ثم جنت وقدمت إلينا لذلك لم يرد مهرها لأنها بحكم العاقلة في تقويته بعضها ان كانت قد وصفت الاسلام وأشكل علينا الحال هل كان اسلامها حال عقلها أو جنونها فإنها لا ترد أيضا لاحتمال ان يكون قد أسلمت عاقلة ولا يرد مهرها لاحتمال ان يكون وصف الاسلام وهي مجنونة فان أقامت وأقرت بالاسلام رد مهرها عليه و ان أقرت بالكفر ردت عليه أو جاءت مجنونة ولم يجز عنها شئ لم يرد عليه لان الظاهر أنها انما جاءت إلى دار الاسلام لأنها أسلمت ولا يرد مهرها للشك فيجوز ان يقين ويقول إنها لم تلد كافرة فتزوج إذا ثبت هذا فاما يتوقف عن ردها حتى تعنوا أو يبين أمرها فان فاقت سهلت فان ذكرت انها أسلمت أعطى المهر ومنع منها ان ذكرت انها لم تزل كافرة ردت عليه إذا عرفت هذا فإنه ينبغي ان يحال بينهم وبينها حال حياتها الجواز ان يفيق فيصدونها عن الاسلام في أول زمان إفاقتها. السادس: لو قدمت صغيرة ووصفت الاسلام لم يرد إليهم لئلا يفيق عند بلوغها عن الاسلام وهل يجب رد المهر قال الشيخ رحمه الله لا يجب بل يوقف عن رده حتى يبلغ فان بلغت وأقامت على الاسلام والمهر وإن لم يقم ردت هي وحدها وهو أحد قولي الشافعي وفي الثاني يجب لنا ان سلام ما غير محكوم بصحبته فلم يجب رد مهرها كالمجنونة إذا لم يعلم هل أسلمت حال إفاقتها أو في حال جنونها احتج الشافعي بان وضعها الاسلام منع من ردها فوجب رد مهرها كالبالغة ثم فرق بينها وبين المجنونة بان المنع في المجنونة للشك في اسلامها والمنع في الصغيرة لوصف الاسلام والجواب المنع من ذلك فان وصف الاسلام لا يحكم به فيها وانما منعناه منها للشك في اثباتها عليه بعد بلوغها فإذا بلغت كان يثبت على الاسلام رددنا مهرها وان وصفت الكفر رددناها . السابع: لو قدمت مسلمة ثم ارتدت وجب عليها ان تتوب فان لم تفعل حبست دائما وضربت أوقات الصلوات عندنا وقتلت عند الجمهور على ما يأتي الخلاف فيه إذا ثبت هذا فان جاء زوجها وطلبها لم ترد عليه لأنها حكم لها بالاسلام أولا ثم ارتدت فوجب حبسها ويرد عليه مهرها لأنا حلنا بينه وبينها بحبس اما القائلون بوجوب القتل فإنهم قالوا ان جاء قبل القتل ردت عليه مهرها لأنا حلنا بينه وبينها بالقتل وان جاء بعد قتلها لم يرد عليه شئ لأنا لم يحل بينه وبينها عند مطالبته بها. الثامن: لو جاءت مسلمة وجاء زوجها وطلبها فمات أحدهما فإن كان يوم المطالبة وجب رد المهر عليه لان الموت كان بعد الحيلولة فان كانت هي الميتة رد المهر عليه وان كان هو الميت رد المهر على ورثته وان كان الموت قبل المطالبة فلا شئ له لان الحيلولة حصلت بالموت لا الاسلام. التاسع: لو قدمت مسلمة فطلقها زوجها لم تخل من أحد أمرين أحدهما ان يكون الطلاق باينا والثاني ان يكون رجعيا فإن كان باينا أو خالفها فإن كان قبل المطالبة لم يجب رد المهر إليه لان الحيلولة منه بالطلاق لا بالاسلام وان كان بعد المطالبة وجب لأنه قد استقر المهر له بالمطالبة والحيلولة وان كان رجعيا لم يكن له المطالبة بالمهر لأنه أجراها إلى البيتوتة اما لو راجعها فإنه يرد عليه المهر مع المطالبة لان الرجعة له في الرجعي وانما حال بينهما الاسلام. العاشر: لو جاءت مسلمة ثم جاء زوجها وأسلم نظر فان أسلم قبل انقضاء عدتها كان على النكاح لما
(٩٧٧)