فان الصحابة اجمعوا على ذلك وعمل به الفقهاء القدماء ومن بعدهم إلى زماننا هذا من أهل الحجاز والعراق والشام والمصر وغيرهم من أهل الأصقاع في جميع الأزمان عملا بالآيات الدالة على اخذ الجزية والأحاديث المتقدمة وفعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وأخذ من الجزية من مجوسي نجران وبعث النبي صلى الله عليه وآله معاذ إلى اليمن فامره ان يأخذ من كل حاكم دينار أو عدله مغافرى وهو اجماع. مسألة: ويؤخذ الجزية من أهل الكتابين التوراة والإنجيل فأهل التوراة هم اليهود وأهل الإنجيل هم النصارى وقد كانت النصرانية في الجاهلية في ربيعة وعنان وبعض قضاعة واليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة والمجوسية في تميم وعبادة الأوثان والزندقة في قريش وهي حبيبة إذا عرفت هذا فان اليهود بأجمعهم والنصارى كلهم يؤخذ منهم الجزية على الشرايط الآتية سواء كان من المبذلين أو غير المبذلين لعموم الآية و سواء كانوا عربا أو عجما في قول علمائنا أجمع وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي واحمد وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو يوسف لا يؤخذ الجزية من العرب لعموم الآية لان النبي صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل واخذ أكيدر دومة وهو رجل من غسان وكندة من العرب وصالحوا على اخذ الجزية واخذ الجزية من نصارى نجران وهم عرب وأمر معاذ ان يأخذ الجزية من أهل اليمن وهم كانوا عربا قال ابن المنذر ولم يلتقيان قوما من العجم كانوا باليمن أحد معاد أو لان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث الأمير ويوصيه بان يدعوهم إلى الاسلام فان أبوا دعاهم إلى اعطاء الجزية فان أبوا قاتلهم من غير أن يخص عجما بذلك دون عرب وأكثر ما غزى النبي صلى الله عليه وآله العرب والاجماع على ذلك فان اليهود والنصارى من العرب سكنوا في زمن الصحابة والتابعين في بلاد الاسلام ولا يجوز اقرارهم فيها بغير جزية. مسألة:
ويؤخذ الجزية ممن دخل في دينهم من الكفار ان كانوا قد دخلوا ا فيه قبل النسخ والتبديل ومن نسله وذراريه ويقرون بالجزية ولو ولدوا نقل الشيخ وان دخل في دينهم بعد النسخ لم يقبل منهم الا الاسلام ولا يؤخذ منهم الجزية ذهب إليه علمائنا وبه قال الشافعي وقال المزني يقر على دينه ويقبل منهم الجزية مطلقا لنا قوله عليه السلام من يدل دينه فاقتلوه فهو عام ولأنه انتقل إلى مذهب باطل فلا يقبل منه كالمسلم إذا ارتد ولأنه لا يبقي دينا غير الاسلام فلا يقبل منه لقوله تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلا يقبل منه احتج المزني بقوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم والجواب المراد بذلك المشاركة في الاسم والكفر وبالإقرار على اعتقاده إذا عرفت هذا فلا فرق بين ان يكون المنتقل إلى دينهم ابن كتابيين أو ابن وثنيين أو ابن كتابي ووثني في التفصيل الذي فصلناه فلو ولد بين أبوين أحدهما يقبل منه الجزية والاخر لا يقبل منه الجزية ففي قبول الجزية منه تردد إذا ثبت هذا فان ذبابيح أهل الكتاب ومناكحهم على تفصيل ما يأتي يجوز عندنا وسيأتي الخلاف في بيانه . مسألة: والمجوس منهم من اخذ منهم الجزية كما قلناه في اليهود والنصارى بلا خلاف بين علماء الاسلام في ذلك وروى الجمهور عن عبد الرحمن بن عوف قال اشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وروى الشافعي باسناده إلى فروة بن نوفل الأشجعي قال غلام يؤخذ الجزية من المجوس وليس باهل كتاب فقام إليه المستور فاخذ بلحيته فقال عدو الله أتطعن على أبي بكر وعمر وعلي أمير المؤمنين عليه السلام يعني عليا عليه السلام قد اخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليه السلام فخلوا في ظل القصر فقال انا اعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وان ملكهم مكر فوقع على بنته وأخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما احتج جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم ودعا أهل مملكته وقال تعلمون دينا خيرا من دين أبيكم ادم وقد ذكر أنه نكح بنيه بناته وانا على دين ادم قال فتابعه قوم وقاتلوا الذين يخالفونه حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى بكتابهم ورفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدروهم فهم أهل كتاب وقد اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وأراه قال وعمر منهم الجزية ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا قال سال أبو عبد الله عليه السلام عن المجوس أكان لهم نبي قال نعم اما بلغك كتاب النبي صلى الله عليه وآله إلى أهل مكة أسلموا والا فابداء بكم بحرب فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله اخذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله اني لست اخذ الجزية الا من أهل الكتاب فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه عليه السلام زعمت أنك لا تأخذ الجزية الا من أهل الكتاب ثم اخذت الجزية من مجوس هجر فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ان المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه اتاهم نبيهم بكتابهم باثني عشر الف جلد ثور إذا ثبت هذا فان الروايات متظاهرة على أنهم قد كان لهم كتاب فيكونون أهل كتاب وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة واحمد لا كتاب لهم لنا ما تقدم في حديث علي عليه السلام احتجوا بقوله عليه السلام سنوا بهم سنة أهل الكتاب والجواب يحتمل ان يكون المراد باهل الكتاب من له كتاب باق أو لأنهم كانوا يعرفون كتابي اليهود والنصارى دون المجوس إذا عرفت هذا فان ذبايحهم عندنا لا تحل كذبايح اليهود والنصارى وقال آخرون لا يحل نكاحهم وادعوا الاجماع عليه قال إبراهيم الحربي خرق أبو ثور الاجماع في ذلك وسيأتي البحث فيه أن شاء الله تعالى. مسألة: ولا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من سائر فرق الكفار الا الاسلام فلو بدلوا الجزية لم يقبل منهم كعبادة الأوثان والأصنام والأحجار والنيران والشمس وغير ذلك من غير اليهود والنصارى والمجوس من العرب والعجم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يقبل