قلنا: هذا أولا يدل على أن الركوع ركن من أركان الصلاة على بعض الوجوه لا تصح من دونه، فهذا إنما ذكره للتفخيم والتعظيم لشأن الركوع كقوله: وملائكته ورسله وجبريل وميكال، وكما قال: فيهما فاكهة ونخل ورمان. وفعل الركوع يعبر به أيضا عن الصلاة بتمامها، يقول القائل: فرغت من ركوعي، أي من صلاتي وإنما يعبر به عنها لأنه أول ما يشاهد مما يدل على أن الانسان في الصلاة، لأن أصل الركوع الانحناء.
وقال بعض المفسرين: إن المأمورين في الآية هم أهل الكتاب ولا ركوع في صلاتهم، فكان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه أبعد من اللبس، فأمرهم الله بالصلاة على ما يرونها ثم أمرهم بضم الركوع إليها، والأمر شرعا على الوجوب.
ويمكن أن يقال: إن قوله: أقيموا الصلاة، إنما يفيد إيجاب إقامتها، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها، ويجوز أن يكون أيضا إشارة إلى الصلاة الشرعية، فلما قال: واركعوا مع الراكعين، يعني مع هؤلاء المسلمين الراكعين، فخصصت بالصلاة المنفردة في الشرع فلا يكون تكرارا بل يكون بيانا.
وقيل: فيه وجه لطيف وهو أنه لما أمر بالصلاة بقوله: أقيموا الصلاة، حث بقوله:
واركعوا مع الراكعين، على صلاة الجماعة لتقدم الصلاة للمنفرد في أول الآية، ويجئ بيانها في بابها.
فصل:
وقال تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا، قال الطبري:
المراد " لا تجهر بصلاتك " يعني صلاة النهار العجماء " ولا تخافت بها " يعني صلاة الليل التي يجهر بها في القراءة، فالجهر في صلاة الغداة واجب، وكذلك في الركعتين الأوليين من العشائين.
فأما صلاة النهار فهي عجماء كما ذكرنا ويجب في الظهر والعصر جميعا المخافتة إلا في الجمعة يوم الجمعة، وفي الركعتين الأوليين من الظهر أيضا من يوم الجمعة، فإنه يستحب الجهر فيهما.