الذين كانوا بحضرتهم يتوجهون إلى الكعبة، فلما انتقل الرسول ع إلى المدينة كانت اليهود الذين بالمدينة يتوجهون إلى بيت المقدس، فنقلوا إلى الكعبة للمصالح الدينية الكثيرة، من جملتها ليتميزوا من اليهود كما أراد في الأول أن يتميزوا من كفار مكة.
فصل:
لا خلاف أن التوجه إلى بيت المقدس قبل النسخ كان فرضا واجبا، ثم اختلفوا فقال الربيع: كان ذلك على وجه التخيير، خير الله نبيه ع بين أن يتوجه إلى بيت المقدس وبين أن يتوجه إلى الكعبة.
وقال ابن عباس وأكثر المفسرين: كان ذلك فرضا معينا. وهو الأقوى، لقوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها، فبين تعالى أنه جعلها قبلة، وظاهر ذلك أنه معين، لأنه لا دليل على التخيير. ويمكن أن يقال: إنه كان مخيرا بين أن يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس في توجهه إليه وبين أن لا ينتقل لما كان بمكة.
على أنه لو ثبت أنه كان مخيرا لما خرج عن كونه فرضا، كما أن الفرض هو أن يصلى الصلاة في الوقت ثم هو مخير بين أوله وأوسطه وآخره.
وقوله " إلا لنعلم " أي ليعلم ملائكتنا، وإلا فالله كان عالما به. وقال المرتضى فيه وجها مليحا، أي يعلم هو تعالى وغيره، ولا يحصل علمه مع علم غيره إلا بعد حصول الاتباع، فأما قبل حصوله فإنما يكون هو تعالى العالم وحده، فصح حينئذ ظاهر الآية.
وقوله: ممن ينقلب على عقبيه، قيل فيه قولان: أحدهما: أن قوما ارتدوا عن الاسلام لما حولت القبلة جهلا منهم بما فيها من وجوه الحكمة، والآخر: أن المراد به كل مقيم على كفره، لأن جهة الاستقامة إقبال وخلافها إدبار ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر وقال: لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، عن الحق.
فصل:
ثم قال " وإن كانت لكبيرة " فالضمير يحتمل رجوعه إلى ثلاثة أشياء: القبلة على قول