نعم، هذا لا يعني أن يكون عب ء إثبات ما ادعاه عليه دائما، بل لا بد من الرجوع إلى قوانين المرافعة فيما ادعاه بشكل منفصل عن النزاع الأول، فلو ادعى - مثلا - الإبراء أو حصول المقاصة قعب ء الإثبات يقع عليه، لأن الأصل يقتضي عدم الإبراء أو عدم المقاصة. أما لو فرض أن خصمه كان يدعي أنه قد جعل العين الفلانية أمانة لديه، فالآن جاءه لاسترجاع الأمانة، فاعترف بما قاله الخصم من أنه جعلها أمانة لديه، ولكنه ادعي أنه وهبها بعد ذلك إياه، فهنا عب ء الإثبات يكون على المدعي الأول، لأن اليد تدل على ملكية من في يده العين.
وخلاصة كلامنا في المقام: أنه لا فرق بين أن يفترض أن أحد الخصمين رفع الشكوى أولا بعنوان الدين المعجل، ثم أقر الخصم الآخر بالدين، وأضاف دعوى التأجيل أو الإبراء أو الوفاء أو التقاص، أو يفترض أن الخصم الأول لم يرفع الشكوى ابتداء بعنوان الدين، بل توافقا قبل المرافعة على أصل الدين، وكان مصب الدعوى من أول الأمر هو التأجيل، أو الإبراء، أو الوفاء، أو التقاص، أفهل يشك العقلاء في الفرض الثاني في تشخيص من عليه عب ء الإثبات بمقاييس المدعي والمنكر وبقطع النظر عن فرض نزاع وإقرار في أصل الدين؟!! أو أي مبرر يمكن أن يتصور للفرق بين الفرضين؟!!